لا يختلف إثنان؛ معارضاً أم مؤيداً، على كون لقاءات القيادي البارز في حزب الاستقلال، و أحد أهم أعيان الصحراء “حمدي ولد الرشيد” تعد فرصة سانحة؛ للاستماع الى تحليل فريد و جريئ، يقتحم بنبرة الشعبية و “العفوية”، كل أطر الصياغة و الرصانة “المملة”، يجوب الصحراء بمختلف تفاصيلها ، الحياة، المجتمع، البنية، الماضي و المستقبل، و الوئام و التناقص.

كلما كانت الفرصة سانحة؛ إلا وعرض “الرجل” نموذجه في التحليل، نموذج شخصي يحمل رؤية شمولية، مختلفة في عيون مناصريه قبل معارضيه. ينم “ولد الرشيد” بلا شك عن مواكبة مستمرة لتطور المجتمع، و تعاظم التحديات الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية و السياسية، التي يفرضها التغير و التطور نحو مدنية أكثر يوماً بعد الآخر.

المدقق في خطاب “ولد الرشيد” الشخصية السياسية الأبرز حالياً على الساحة بالصحراء، يجده يجهد في محاولة الإجابة عن إشكال جوهري مرتبط بوضوح “التصور” تجاه قضايا و تحولات المنطقة، ليس الأمر بمصادفة إعتباطية، بل يأتي ذلك تفاعلاً مع من يوجهون سهام النقد لعمدة العيون ومن خلاله لحزب الاستقلال، أولائك الذين يرون في خطابه غياباً لأي تصور واضح، يسير بـ”العيون” و مجتمعها أبعد من المشاريع و الأوراش، البناء بلغة الملايين.

أن يُزاوج بين المسؤولية السياسية و المهة تجاه المجتمع، أمرٌ يحسب لخطاب “ولد الرشيد” و القائمين على صياغته، ربما ذلك لا يعفيهم ذلك من بعض التخبطات المصاحبة لتحديد السياق و أطر النقاش، تلك التي تنجرف بـ”الحاج” -كما يلقبه مناصروه و العاملون معه- في مرات عديدة خارج السياق.

لكن  تفاعل مسؤول جماعي  مع ملفات كـ” التشغيل؛ إنعاش الاستثمار، الهجرة السرية، البنية و السلم الاجتماعي، النموذج الثقافي، التوجهات السياسية الكبرى”، يصنف ضمن المؤشرات التي لا يمكن إغفالها، لأنها تدل على حجم الوعي بجاذبية المواضيع لدى الرأي العام، فلا يفوت “ولد الرشيد” بشكل مباشر التفاعل فيها مع النقاش الدائر بالفعل، في مختلف الاوساط و الشرائح المكونة لنسيج الصحراء.

سياق  شكلت ضمنه الندوة الصحفية المنعقدة استكمالا ليوم تفقدي حافل، تجولت خلاله عدسات الصحفيين داخل عدد من أوراش التنمية المندمجة و البنية الأساسية التنشيطية و الخدماتية الكبرى، مناسبة واضحة لإعادة تفقد مواقع “حمدي ولد الرشيد”، بدا ثابتاً في جلها، و مرناً عندما يتعلق الأمر بأخرى، يمكن أن نتناول تحليلها على مستويين إثنين:

الخطاب الداخلي تأسيسٌ للولاء ..

يسمتد رئيس المجلس البلدي جاذبية خطابه من حجم المسؤوليات المتقاطبة التي يطلع بتدبيرها، كفاعل تنموي أساسي بأكبر حواضر الصحراء، فضلاً عن نمط الإرتجال الذي يحف مختلف خطبه و مداخلاته، فلا يتكلف ترتيب رسائله قبل بعثها، إنما يتبع نمط الأهمية و الاستهداف.

عرض “ولد الرشيد” خلال الندوة الصحفية، و انسجاماً مع الأسئلة المركزة التي وجهها له الصحفيون بالجهة كل من موقعه، حصيلة محينة لتدخلات المجلس الجماعي في قطاعات التنمية المندمجة ، التنشيط الإجتماعي و الخدمات الأساسية، غير مغفل ربط ما سبق بكل المستجدات على الساحة، تلك التي ربطها بنماذج بسيطة تعبر عن رأيه و تفسر توجهه.

من يوالون الرجل، يرون فيه شخصاً “صريحاً” في الطرح، و تلك بالفعل واحدة من أهم نقاط قوة خطاب القيادي البارز في حزب الاستقلال، يمايز بشكل تام بين وجهات النظر و الحدود، بشكل لا يمنعه من الاصطدام بخطوط حساسة، في إطار عرض وجهات نظره، و لعل حديثه عن الأدوار داخل الجهة المقسمة في الاختصاص بين ولاية الجهة، المجالس الجماعية ثم الجهوية، المشروط بعرض النتائج و تقاسم المسؤوليات أبرز نماذج ذلك.

الرهانات السياسية: الوضوح لا يقتضي المهادنة ..

يكتسب خطاب  “حمدي ولد الرشيد” قوته من وضوح الموقف، الرجل لا يماري ميولاته و لا يخفي خياراته الثابته، يتجاوز مسؤولياته الجماعية حين يتحدث عن توجهات الدولة الكبرى، تجاه ملفات حارقة كتطورات قضية الصحراء، و تدبير العلاقات الثنائية مع الجيران الجزائر و موريتانيا.

لكن ذلك لا يقتضي لدى “الحاج” أو هكذا يلقبه مناصروه، من تلافي منطق المهادنة، فإذ يعلوا سقف النقاش معه حول المقترح المغربي للحكم الذاتي، يصر “الرجل” أنه لا مجال للنقاش أو التراجع، فمجتمع يتسمد تكوينه من منطق قبلي، لا يمكن تدبيره بمنطق الدولة “الجمهورية”.

يملك “الرجل” آراء مسموعة، و استدلال ذلك يعود بنا إلى التأطير البرغماتي الواقعي الذي يتبعه في الإقناع، يضرب المثال و يبحث عن الإجابة، منتظراً إرتداد آرائه من الأسماع، ولو اقتضى الأمر أحياناً الإستنكار أو الاستدلال بتراكيب قاسية، أو فوق المعمول به.

نستمر في الإستماع بخصوص ملف الهجرة السرية إلى آراء “مولاي حمدي”، يتحدث عن الوضع الإقتصادي في الجارة إسبانيا، قبل أن يتسائل : هل نقبل العمل لدى الأجانب و نرفضه في منازلنا و أوطاننا؟

ينتهي اليوم مساء، و تطوى معه صفحة جديدة من صفحات التواصل مع “الرجل” الذي يصعب تجنبه، مادمت قد قبلت دخول سباق الأخبار، فعليك أن تحتفظ برصيد مهم لـ”ولد الرشيد”.