توصف علاقة العدالة والتّنمية المغربي مع “السلطة” بالـ”متدبدبة” نوعاً ما، الحزب الذي وصل إلى التسيير الحكومي بعيد إنتخابات 2011، و جددت فيه القواعد الشّعبية المغربية الثقة في إنتخابات السابع من أكتوبر 2016، تحكمها نقاط تحديد بعضها مرتبط بالصيرورة التاريخيّة لتطور تجربته السياسية، و أخرى على علاقة وطيدة مع مرجعيّته وإكراهات السّلطة.

“الأصولية” أم “المرجعية الإسلامية” ؟

لقد شكلت الأحداث الإرهابية التي اهتزت على وقعها العاصمة الإقتصادية للمملكة سنة 2003، ومعها معتقد “الاستثناء المغربي”، بقعة ضوء كاشفة، وضعت الأعين والأصابع على التيارات و التنظيمات الإسلامية بالمغرب، فحزب كـ”المصباح”، الذي لطالما صنف (قبل 2003) من أبرز المتشبثين بـ”الأصولية”، أصبح بعيد الأحداث تنظيماً سياسياً بمرجعيّةٍ إسلامية وليس حزباً “إسلاميًّا”.

الباحث في علم السياسة “د.حسن الزواوي” يرى أن  تأويل الحزب للمرجعية الإسلامية، وتأثيرها على برامجه السياسية والانتخابية ولا سيما بعد إنتخابات 2011 ،جعل أعضاء الحزب يواجهون إكراهات التسيير الذي يقوم على عدة قواعد علمانية، وهو ما أدى إلى بروز علاقة جدلية بين المرجعية الإسلامية والإكراهات المادية للتسيير. تلك التي حاول الحزب تجاوزها عبر تبنيه إستراتيجية “براكماتية”، إنعكست بشكل أو آخر على إستراتيجيته الإنتخابية أيضا.

مما جعل من “العلمانية” أو “الخطاب العلماني” أحد مرتكزات الفعل السياسي لهذا الحزب، لكن تلك العلاقة الجدلية لم يكن الحزب دائما موفقا في تجاوزها، بل على العكس من ذلك، برزت إلى الوجود مجموعة من الاحداث والتصرفات الصادرة عن بعض الفاعلين التي أدت إلى وضع الخزان القيمي ذو الصبغة الأخلاقية موضع شك، إذ لايجب أن ننسى  أن من شروط تبني المرجعية الإسلامية هو الإلتزام الأخلاقي بمبادئها.

من منطق “الدعوة” إلى الإمساك بزمام “الدولة” ..

إن الانتقال من منطق الدّعوة، ثمّ الانتهاء إلى منطق الدّولة، تجولُ جعل من إسلاميّي “العدالة والتّنمية”، نموذجاً ومثالاً، جرّهُ التّعاطي لـ”البراغماتية” السّياسية إلى الوقوع في مجموعة من التّناقضات، وضعت طريقه إلى إقامة نموذجٍ بديلٍ وفعّالٍ للحكم” موضع شك، وبالتّالي؛ أصبح المضي تباعًا في سلسلة من “السقطات” المتتالية، بمثابة وضع النقاش الدائر داخل الحزب نفسه، حول جدلية الدين والسياسة على الواجهة من جديد.

تّحوّلات تأتي في سياق مضطرد، جعل من “المصباح” بشكلٍ ما من الأشكال، محطّ انتقاد، فبعد خروج اثنين من وزرائه (ح.الشوباني و السيدة س.بنخلدون)  لأجل عقد قرانهما بعد علاقة جمعتهما داخل ردهات الحكومة، قبل أن يشكل تجول القيادي بالحزب و وزير التشغيل في حكومة سعد الدين العثماني “محمد يتيم” رفقة شابة، بأحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس ليلا، مادة دسمة للصحافة الوطنية، تلك يشغل عناوينها الرئيسة حالياً الإسقاط “الأخلاقي” لصور الحزب، عبر فضيحة أخرى سببتها صور “حداثية” لـ”آمنة ماء العينين” القيادية التي ظهرت بدون “حجابها”.

وفي هذا الصدد يؤكد “د.الزواوي”  أن قضية “ماء العينين” خلقت نوعا من الإرتباك داخل صفوف الحزب، عكسته تصريحات رئيس الحكومة الأسبق “عبد الإله بن كيران” المساندة، في وقت اعتبر فيه رئيس الحكومة الحالي “سعد الدين العثماني” الإلتزام بقواعد المرجعية الإسلامية خطاً أحمر، يفرض على كل من أراد أن يبقى عضوا في الحزب إحترامه.

و حسب الباحث دائماً، يمكن القول بأن براغماتية الحزب على المستوى السياسي، كما طرق تعاطيه مع سلوكات بعض  أعضائه، جعلته اليوم أكثر من أي وقت مضى أمام تحدي كبير، يضع صورته السياسية موضع رهان، فضلاً عن قوته الإنتخابية، فإلى أي حد سيتمكن الحزب من تجاوز هذه الكبوات و الإستمرار في تصدر المشهد السياسي كقوة إنتخابية؟