يُعد مجتمع الصحراء من بين الجماعات البشرية التي عرفت تغيراتٍ نوعية في نمط العيش والإستقرار، من البدو والبداوة نحو “المدنية” التي رافقت الظاهرة الإستعمارية، منذ ستينيات القرن الماضي، واليوم حيث تبرز مشاريع الدولة الحديثة، الرامية إلى إدماج سكان الأقاليم “حديثة النشأة” في إقتصاد وطني واحد، لم يعد كما كان قائماً على الرعي والزراعة، وإنما على نشاطٍ صناعي وخدماتي، يستحوذ فيه العمل الحكومي على مكانة العمود الفقري.

وإذا كان الصحراويون كمجتمع مؤلف من جماعات بشرية، إعتمدت فيما سبق وهي تؤسس لنموذجها الإقتصادي والمعيشي، على المواشي سواء في العيش، التنقل أو المبادلات، فإن التغير الإجتماعي نحو المدن الآهلة حيث التوسع العمراني والتضخم السكاني، رافقه بدون شك إنعكاس على سوسيولوجيا الفرد والجماعة، فضلاً عن تغير المتطلبات الحياة المادية، لمن أصبحت حياتهم بالعمل المأجور والوظائف الحكومية.

في هذا السياق يرى الدكتور “محمد دحمان”، أستاذ علم الإجتماع بجامعة ابن طفيل بـ”القنيطرة”، أن رصد وتحليل التغيرات الإجتماعية التي طرأت على مجتمع الصحراء، يُحيل على تبدل منطق الساكنة نحو المال (كمدلول)، حيث صارت المادة محدداً رئيساً من محددات العلاقات الإجتماعية، بل وأساساً راسخاً لمنطق ”التمايز الإحتماعي”، كما أن هذه التحولات يضيف ذات المتحدث، في مقال نشر له تحت عنوان : “التغير الإجتماعي في المجتمع الرعوي بالجنوب المغربي”، همشت دور المرأة مقارنة بالماضي، حيث هي إما أن تقوم بجزء من الأنشطة الإقتصادية أو تشرف عليها بالكامل كما هو الحال فيما يخص تدبير ورعاية وإستغلال قطعان الماشية.

إن قبول أو تجاوز المفاهيم والنماذج الإجتماعية التي صدرها برنامج التغير هذا، يجعلنا أمام نمط عيشٍ ينهار، ليحل محله نمط آخر غير واضح تحكم فيه الظواهر الإجتماعية، عقلية الإستيراد لا الإنفتاح الرصين، مما يولد مشاهد ووقائع كانت لتبدو إنهياراً مدوياً لمنظومة القيم إلى حد ٍقريب في ظل نسيجٍ عصبي متماسك.

ولأن الدولة قد لاتتحمل في جوهرها الحداثي وجود مؤسسات آخرى موازية، تمس سلطانها إذ هي تمهد لإستقلال عرفي إقتصادي إجتماعي وقضائي، فإن عملية تفكيك النُظم القبلية داخل المجتمع تمت بوتيرة أسرع، غايتها الإخضاع لسلطة الوحدة.

يدخل ذلك في عملية شاملة هدفت حسب الدكتور “براهيم حمداوي”، المتخصص في رصد التحولات الإجتماعية والثقافية، إلى إعادة تشكيل النخبة وصياغة أدوار جديدة لها، بشكل يعكس مكانتها الإحتماعية وينادي بإقتصاد جديد يكون فيه الفرد المنادى الأول قبل المجموعة، نخبة تصوغ المواقف وتؤثر في مراحل التحول، مستغلةً رموز الفعل الإجتماعي القديمة، بشكل يمسرح العادات والقيم المجتمعية، بينما تتراجع النخب الكاريزمية بثقلها الديني وإرثها التاريخي إلى الوراء.