منذُ إعلانها العزمَ، على تخصيصِ أزيدَ من ملياري دولار لصالح مشاريع اِستثماريّة و تنميويّة في الجمهورية الإسلاميّة الموريتانيّة، بالتّزامن مع حلول الرّئيس “محمد ولد الغزواني” بالعاصمة الإماراتيّة “أبو ظبي”، و لقائه المُمسِك بزمامها الشّيخ “محمد بن زايد”، ولي العهد ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا حديث في الأفُق، إلاَّ عن التّواجد المُحتمل للمال الإماراتي، و مآلات قضايا الأمن و التّنمية بمنطقة الصّحراء الكُبرى، التي تشتركُ دُوَلها في مصيرٍ واحدٍ بحكمِ مُعطيات الجُغرافيا، و مهدّدات الأمن القومي، فهل يكون لذلك التّواجد وقعٌ بالإيجاب أم العكس ؟

 

رغم عدم اسحتواذِهِ على اِهتمامٍ إعلاميٍّ دولي، إلاّ أنّ حصول “نواكشوط” على حقيبة اِستثماريّة أجنبيّة بهذا الحجم، يُعدُّ بمثابةِ قفزةٍ إقتصاديّةٍ هائلة، لدولةٍ لا يتجاوزُ ناتِجُها المحلي الإجمالي الخمس مليارات دولار، ما يعني أنّ خُطّةَ “الإمارات” ستمثل ما لا يقل عن 40 في المائة من اِقتصاد بلاد “شنقيط” مُستقبلاً .

 

دولةُ “موريتانيا” التي يُنظرُ إليها كشريك رئيسي في المنطقة، تملكُ دبلوماسيَّةً بتحرُّكات مُتفاوِتة، يُصبح فيها المُتغيِّرُ أكثرَ من الثّابت، غيرَ أنّ العلاقة مع دُول الخليج العربي، تُعتبر واحدة من نقاط الإستقرار القليلة في الخط  الذي ترسُمُهُ علاقات “نواكشوط” الخارجيّة، من أجل تحقيق المصالح الوطنيّة، لبلدٍ يُحاولُ بناءَ إقتصادهِ المُنهكِ، باعتبارات الإستراتيجية و الإقتصاد .

 

الأمن في الصّحراء الكُبرى ، القضيّة الدّوليّة بامتياز

 

عكسَ مُستقبلِ علاقاتِ “نواكشوط” الثّنائيّة و ميزان المصالح، يُمثِّلُ اِستقرارُ مَنطقةِ جنوب الصّحراء الكُبرى، قضيّة هامّة بالنّسبة للمجتمع الدّولي، فتهديد الحركات المُتطرّفة كـ”داعش” و “القاعدة”، يُعتبرُ هاجِساً مُؤرقاً في ظل تبايُن موجات الهجرة التّدريجيّة من ميادين القِتال في “سوريا” و “العراق”، باتّجاه أقاصي بُلدان شمال إفريقيا والصّحراء، حيثُ المساحات غير المأهولة نظاميّاً، والتي يستغِلُّها القادِمونَ من الشّرق لإعادة تجميع صفوفهم .

 

تخشى “الإمارات”، كأبرز الدُّوَل التي تُناوئ تيّارات الفِّكر الإسلامي سياسيّاً أو تطرُّفيّاً، المخاطر الكامِنة وراءَ هذا الوضع المُتطوِّر، ففي أواخر العام 2017، دعمت “أبو ظبي” قوّات دُوَل السّاحل و الصّحراء الخمسة المُشتركة (G5)، بمبلغ 30 مليون دولار .

 

و على نطاق أوسع، تشترك السُّلطات الموريتانيّة نفس وجهات النّظر مع حُكّام “أبو ظبي”، فيما يتعلّق بمكافحة المُنظّمات المُتطرِّفة، لكن بوالمقابل، لم تكن “نواكشوط” قطُّ حاضِرةً في صفِّ الإماراتيِّينَ في حروبهم بمنطقة الشّرق الأوسط، ودليل ذلك يكمُنُ في المساهمة المتواضعة لـ”موريتانيا” في الحرب بـ”اليمن”، حيثُ تمَّ نشر حوالي 500 من جنودها فقط إلى جانب دول التّحالف العربي .

 

لذلك، قد تتجاوز حُزمة المساعدات الإماراتيّة، مُعطى الشّراكة العسكريّة، بل لكون تجنيد المُقاتلين بنظرة موضوعيّة، ناجم عن حالة التّخلُّف المُعاشة على الصّعيد الإقليمي، تلك التي تُؤجِّج مشاعر الحِرمان لدى الأقليّات، وعليه فإنّ مَحاولةَ الرّد على الظّاهرة المُتطرّفة، قد تكون أنسب في نهاية المطاف عبرَ الحل الإقتصادي و الإجتماعي، وليس عسكريّاً .

 

المالُ الإماراتي هل سيحُلُّ الأوضاعَ أم سيُعقِّدُها ؟

 

إنّ قراءَةَ دورِ الإستثماراتِ الإماراتيّة في دفع عجلة تنمية الإقتصاد الموريتاني، الذي يملك مؤشّرات واعدة، يجبُ أن يُفهم في سياقها الإقليمي أولاً، حتّى يكون بمقدورنا أن نُحدّد إذا ما كانت تدفُّقات “أبو ظبي” الماليّة، ستُسهم في اِستقرار منطقة الصّحراء الكُبرى أم العكس ؟!

 

الحديثُ عن اِستثمارات، طويلة الأجل والدّافعة بعجلة التّنمية، تشمل بناء شبكات الطُّرُق والمدارس في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن الموانئ والمطارات، كما هو الحال بالنّسبة لإنشاء نظام مُناسب للرّعاية الإجتماعيّة من خلال التّدابير المُحفّزة لتشغيل الشّباب وتوزيع البدلات للأسر ذات الدّخل المُنخفض، و الحديث هنا عن خطة الأولويات التي أعلنها الرّئيس “الغزواني” منذُ تسلُّمِه لمقاليد الحُكم، لا بُدَّ لهُ أن يأخُذَ بعين الإعتبار، وضع المنطقة التي تعيش على وقع نزاع إقليمي مُتعدّد الأطراف، تُعدُّ “موريتانيا” أحدَ أقطابه الفاعلة .

 

فضلاً عن المشاكل الحدوديّة، المتعلّقة تارة بالتّأمين (الأمن) في محور : (ليبيا ، تونس ، الجزائر ، المغرب شمالاً، والنّيجر ، مالي جنوباً)، و ترسيمها تارةً أُخرى، خاصّةً مع الجانب المغربي الذي تربطه بـ”نواكشوط” نقطة تواصل برّيّة وحيدة هي معبر “الكركرات”، لا مناص من استحضار التواصل الإقتصادي التّجاري غير المستقر، بفعل تواجُد علاقات غير محسومة مع الأطراف الثّالثة : “جبهة البوليساريو” و “الجزائر” .

 

وما يُربك أكثر، منذُ النّظرة الأولى للتّعاون الإماراتي – الموريتاني، كامنٌ في الشُّبُهات التي تُلاحق تدفُّقات المال الإماراتي في الجارة المغاربيّة “ليبيا”، التي تعرف حالة من عدم الإستقرار ولّدتها الثّورة الشعبيّة التي أطاحت بنظام العقيد “معمر القذافي”، و فقدت مسارها التّصحيحي في ظل تقاطُب حكومة مُعترف بها، تحظى بدعم دولي، و نظام عسكري يقودُهُ “خليفة حفتر” و يحظى باستمالة خليجيّة .

 

في مُقابِلِ هذا وذاك، تحظى حسابات العلاقات المغربيّة – الخليجيّة، تلك التي تُعتبر الأبرز بين دولة مغاربيّة و دول حليفة كـ: “الإمارات” و “المملكة العربية السعودية”، رغم لحظات الجفاء بين الفينة و الأخرى، بالمزيد من الإعتبار، لكون أنّ المملكة هي شريك إستراتيجي، و موطن لإِستثمارات خليجيّة متنوّعة .