… ستلاحظ شعبي العزيز، أنني لم أتحدث عن قضية وحدتنا الترابية ، ولا عن إفريقيا ، أو غيرها من مواضيع السياسة الخارجية. وبطبيعة الحال، فقضية الصحراء المغربية لا نقاش فيها، وتظل في صدارة الأسبقيات“.

مقتطف من نص الخطاب السامي الذي وجهه الملك بمناسبة حلول الذكرى 18 لعيد العرش / 2017.

ليس غريباً إذن أن لا يتضمن الخطاب الملكي بعدها بعام (2018) لنفس المناسبة أية إشارة لقضية الصحراء، أو أي من قضايا السياسة الخارجية للملكة، خصوصاً الحديث كان بصفة غير مباشرة،  فالملك في هذا الخطاب  أعلن عن المفهوم الجديد لربط المسؤولية بالمحاسبة، بعد تشخيص دقيق للأوضاع من أجل تأهيل الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب، بشكل يقوم على إشراك المواطنين في التدبير -يضيف “

الخطاب الذي جاء في سياق داخلي مهم، متسم بارتفاع سقف المطالب الاجتماعية، و هشاشة السياسات التنموية و انخفاض مستوى الخدمات العمومية، وكلها مشاكل ركز الملك على تشخيصها في أفق إعطاء إجابات مرحلية و وضع خطط زمنية مضبوطة المقومات.

للمرة الأولى منذ يوليوز 2000، “الصحراء” غائبة خطاب العرش

مباشرة بعد اعتلائه عرش المغرب (23 يوليو 1999)، خاطب الملك محمد السادس الشعب المغربي، في الذكرى الأولى لعيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2000، وكان قضية الصحراء في أولويات الانشغالات الملكية، حيث جاء في الخطاب قول جلالته:

” وهكذا فقد حرصنا على الصعيد الداخلي غداة اعتلائتنا عرش أسلافنا الميامين على اعتماد مقاربة جديدة للسلطة في هذه الأقاليم العزيزة علينا مبنية على إشراك رعايانا الأعزاء في الصحراء المغربية في التدبير الديمقراطي لشؤون تنمية الأقاليم الجنوبية و تسريع عودة إخوانهم و أخواتهم المحتجزين في تندوف في إطار الكرامة و السكينة و عفو وغفران الوطن“.

بدى الملك حينها منشغلاً بوضعية رعاياه من اللاجئين الصحراوين في مخيمات تيندوف، متطلعاً لتسريع عودتهم في إطار حل سياسي لا يخرج عن مغربية الصحراء، لتتوالى بعدها الخطب في محطات سنوية أبرزها خطاب العرش لسنة 2005، حينها أعلن الملك إعادة هيكلة المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية:

… وعملا على إشراك مختلف فعاليات أقاليمنا الجنوبية، في تدبير شؤونها، قررنا إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لتمكينه من تمثيلية متوازنة، وذات مصداقية، تجعل منه قوة اقتراحية، ومؤسسة فاعلة، للنهوض بهذه الأقاليم العزيزة علينا، والدفاع عن مغربيتها“.

أما في خطابه للأمة بمناسبة عيد العرش لسنة 2012، فقد أكد فيه الملك محمد السادس، من خلال الصحراء عزم المغرب المضي قدماً في تنفيذ جهوية متقدمة:

“وفي أفق التوصل إلى حل سياسي دائم في إطار الأمم المتحدة٬ وانطلاقا من الشرعية التاريخية للمغرب٬ ورجاحة موقفه القانوني٬ فإن المغرب منكب على تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية٬ ومواصلة إنجاز أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة الأثيرة لدينا٬ ولدى قلوب المغاربة أجمعين”.

2016، كانت نقطة جديدة في مسار تواجد “الصحراء” ضمن أوليوات خطب العرش، حيث أكد جلالته على الصرامة التي سينهجها المغرب، عندما يتعلق الأمر بقاضياه الوطنية و مصالحه العليا:

“… وبخصوص قضية وحدتنا الترابية، فقد حددنا في خطابنا بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، بطريقة واضحة وصريحة، مبادئ ومرجعيات التعامل مع ملف الصحراء المغربية، على الصعيدين الداخلي والدولي.”

غياب “الصحراء” أي قراءة تصح ؟

ترتبط قضية الصحراء، في ذهنية الخطاب الملكي بمواكبة مختلف التحديات التي تواجه وحدة المغرب، على الساحة الدولية. فإلى جانب ما اعتاد  المغاربة سماعه من الملك بخصوص تقييم أداء مؤسسات الدولة و نقد البرامج الحكومية، نهجت الملك منحى تفاعلياً مع مختلف التحركات  الدولية، من منطلق كونه فاعلاً أصيلاً بالدبلوماسية المغربية.

و بالعودة إلى خطاب العرش لـ2017، فإن الملاحظة الجوهرية التي يمكن للملاحظ تسجيلها، مرتبطة بكون النص الملكي، أصبح نقطة انطلاق نحو جعل ذكرى التربع على العرش، مناسبة للمحاسبة و التقويم، أكثر منها للمصارحة و التواصل مع رعايا الشعب.

فليس غياب “الصحراء” عن الخطاب مرتبطاً بصورة واضحة بغياب أحداث مرتبطة بالقضية على الساحة الدولية، فهي ذاتها السنة التي شهدت تعثر مفاوضات تجديد اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، بسبب جهود جبهة البوليساريو “المعادية”، التي افلحت في استصدار قرار من محكمة العدل الأوروبية بعدم التجديد.

مناورات معادية لمصالح المغرب بدأ خناقها يضيق ، خصوصاً بعد حجز سفينة تقل الفوسفاط المغربي بميناء “بورت إليزابيث” بجنوب إفريقيا، بناء على أمر قضائي، فضلاً عن سياق قاري بدأ في ظله الاتحاد الإفريقي مساعي التدخل لحل القضية كطرف جديد.

مما لا شك فيه أن الخطب الملكية كانت و لا تزال مصدراً تشريعياً لما تحمله من إشارات مرجعية، لكن تواجد قضية الصحراء ضمن أولوياتها كان و لا يزال مصدر لاستجلاء مستجدات موقف المملكة و وضعية دبلوماسيتها القانونية و العملية.

لما لا و الملك يخاطب الشعب في ذكرى عمقها التاريخي مرتبط بجذور الانتماء الصحراوي المغربي، وهي خطب ذكرى المسيرة الخضراء.