انفتاحاً منها على الأعمال الهادفة والبنّاءة، باختلافها واختلاف أجناسها الصحفيّة، قرّرت منصّة “أخبار تايم” الإعلاميّة؛ أن تنشُر على موقعها أحد الأعمال التي استند من خلالها تلاميذ ثانوية “ولي العهد مولاي الحسن” الإعداديّة، عبر إطار النّادي البيئي للمؤسّسة المتواجدة بـ”طانطان”، على أرقامٍ وإحصائيّاتٍ ومعطياتٍ أكثر دقّة، بالوقوف عليها من كثب، ونقلها بحذافيرها، انطلاقاً من تقنيّات جنس التّحقيق الصّحافي، وارتباطاً بخطواته التي تنبني على مدى صحّة المعلومة وعلى مصدرها.

ينهض الفلاح “محمد” من فراشه، بعد أن قام ديكه بواجبه فتوجه مباشرة نحو الخارج ليرى كيف هي أجواء هذا الصباح، وليتنبأ بمستقبل أرضه التي بدأت بالتدهور تدريجياً بعدما أصبحت تعرف ضيعته الصغيرة “أبطيح”، نقصاً في كلِّ ما تحتاجه الأرض المزروعة نتيجة توالي سنوات الجفاف.

تضحيات الفلاح لتأمين معيشته

ذهب “محمد” كالعادة إلى حقله المتوسطة مساحته، الذي منه يستطيع تأمين معيشته و مصاريف عياله، والذي
يواجه عدّة معيقات و المتمثلة في نقص الموارد المائية، و ارتفاع في ملوحة التربة، وهبوب رياح قوية تعرقل سيرورة
نمو المزروعات، لكنّه وبالرّغم من ذلك؛ يعرف كيفية الإستغلال الصحيح لتلك المنتوجات الزراعية التي يحصدها، إذ أنّهُ يستعملُ نبات البرسيم (الفصة)، الذي يزرعهُ ليتّخذهُ كعلفٍ للغنم والأبقار ليستفيد منها بطريقتين : إمّا بيع لحمها
وحليبها، أو عرضها في الأسواق الأسبوعيّة لبيعها، وبهذا يصبحُ قادراً على استعمال أرضه بشكل مستمر و معقلن
ليُحقّق اكتفاءَه الذاتيَّ في بعض المنتوجات.

تحديات الزراعة المستدامة بالإقليم

تستخدم الزراعة المستدامة بـ”طانطان” لتغذية المواشي، حتّى تعود بالنّفع على المزارعين، لكون اعتماد هذه المدينة منذ القدم على الرعي، حيث أنّ الإحصائيّات تشيرُ إلى ارتفاع في نسبة المواشي بـ”طانطان” وقد جاءت كالتالي : عدد الأبقار 60 رأساً، أمّا الأغنام فعددها 55000 رأسا، أمّا الماعز فعدده 65000 رأسا، أمّا الإبل فعددها يتراوح بين 11000 رأساً و 14000 رأساً، أمّا الأحصنة فعددها 1858 رأساً، وللإشارة فقد كان الرعاة يعتمدون على ما تقدّمه الطبيعة، إلا أنه و مع مرور الزمن و تكاثر الإنتاج الحيوان وتوالي سنوات الجفاف، أصبح من الضروري
توفير مصادر أخرى لتأمين علف الماشية، كون إقليم “طانطان” يغلب عليه الطابع الصحراوي، إلا انه يخضع لتأثير
المحيط مما يجعل الأرض أكثر ملوحة، كما تعرف درجات الحرارة اعتدالاً متوسطاً، و لكن في بعض الأحيان تكون الرياح قويّة، ومتوسط هطول الأمطار السنوي منخفض جدّاً (بمعدل 18 ملم في السّنة).

مجهودات المديرية الإقليمية للفلاحة للنّهوض بالزّراعة المستدامة

لجأت المديرية الإقليمية بـ”طانطان” إلى تشجيع الفلاحين باستخدام طرق الزراعة المستدامة، كغرس مجموعة من
النباتات التي تتأقلم مع هذه الظروف المناخية و الطبيعية مثل نبتة الصبار، حيث يتم زرع 1650 هكتاراً من الأراضي
الزراعيّة، من أصل 8960 هكتارا، و الذي يُعتبر مصدراً مهما لتغذية الماشية, وأيضاً استغلاله من طرف النحل
لإنتاج العسل، و مساهمته في محاربة التصحُّر وانجراف التُّربة، و نتيجة لمجموعة من التحدّيات التي تواجهها الزراعة
المستدامة بـ”طانطان” والمتمثلة في : قلّة الموارد المائٌة، والظروف المناخية وارتفاع في نسبة ملوحة التربة، يتم اللّجوء إلى الآبار و استخدام المياه المخزنة في السدود التليّة المحدثة على كل من “واد الشبٌكة، واد أم فاطمة، واد بن خليل …”.

والإعتماد على نظام السقي بالتنقيط، و لتحسين خصوبة التربة يقوم المزارع بإضافة مجموعة من المواد العضوٌة. ويتم دعم الفالح بطانطان للتغلب على العوائق بكٌفٌة سهلة ومتطورة من خالل مشروع ” مخطط المغرب األخضر الدعامة الثانٌة “، و ذلك بتزوٌده بعدة آلات حديثة لتحسين الأراضي الزراعية من أجل الرّفع من المردوديّة.

مساهمات المديرية الإقليميّة للمياه والغابات في تطوير الزراعة بالإقليم

عرفت الزّراعة المستدامة تطوّراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة بإقليم “طانطان”، حيث تمّ زرع أزيد من 100 هكتار
من الصبّار بمنطقة “أبطيح” و “الشبيكة”، وحوالي 700 هكتار من الطّلح في “المسيد”، بيد أنّ الزّراعة تمر بعدّة مراحل قبل النمو، حيث تقوم هذه المديرية أولاً بتجهيز الحفر لوضع المغروسات داخلها، ثم عملٌة الطمر، وتليها مرحلة الزّراعة، وأخيراً تحريك التُّربة لإزالة الطفيليات، التي تضر بالمزروعات، ولكي تتمكّن المزروعات من حماية
نفسها بسبب قساوة المناخ و الرياح القوية، يتم تسييجها بجريد النخل. لكن المديرية الإقليمية للمياه و الغابات
ومحاربة التصحُّر تقوم بخلق أحزمة خضراء لحماية المدينة من الرياح العاتية و انجراف التّربة، كما تحاول تنظيم
الرعي وذلك بخلق نقط الماء للرعاة “(مطفيات)، كما تقوم بتخليف النباتات المحليّة لحماية النظم البيئيّة، لكّنه وبالرّغم من كل هذه المجهودات المبذولة، تبقى الزّراعة المستدامة مهدّدة بالزوال بسبب الرعي الجائر.

على العموم، تُساهم الزّراعة المُستدامة بديمومة النّشاط الفالحي (الزّراعي والحيواني)، و ذلك بالإستخدام الأمثل
للموارد المتوفّرة في مواجهة كافّة الصعوبات الطبيعيّة والتقنيّة التي يواجهها الفلاح بـ”طانطان”، و من حسنات الزّراعة المُستدامة، اهتمام الفلاح بتربية المواشي، انتقل إلى تطوير الزّراعة المعيشية تدر عليه بالنّفع، ممّا ساهم في الإزدهار المحلي وخلق فرص شغل جديدة، محاولة الحد من ظاهرة البطالة، وتحسين ظروف عيش فئات عريقة من السكان.

تبقى هذه المُعطيات، التي اجتهدَ في بلورتها تلاميذ ثانوية “ولي العهد مولاي الحسن” الإعداديّة، من داخل إطاره “النّادي البيئي” للمؤسّسة المتواجدة بـ”طانطان”، رهينة العمل الجادِّ الذي تمّ الوقوفُ عليه من كثب، إلاَّ أنّ التّحقيق الصّحفي كجنس قائمٍ بذاته، يستوجبُ الأخذ بأفكار ودراسات عدد من المتدخّلين الأكاديميّين، سواءٌ أ كانوا مهتمّين أو دارسين، أو حتّى الفاعلين في المجال ذاته، وذلك طبعاً لإعطاء صورة عن الموضوع، تكون أكثر عُمقٍ ممّا هي عليه، وهذا ما يعني بأنّ هذا العمل الجيّد الذي أبدع من خلاله تلاميذ الثّانويّة الإعداديّة المذكورة، هو نتاج مثابرةٍ واجتهاد، قد تُبنى عليه أعمال أخرى، ما دام يضُمُّ نماذج وتجارب حيّة بخصوص مجال الزّراعة والفلاحة.

وتجدُرُ الإشارة، إلى أنّ المنصّة الإعلاميّة “أخبار تايم”، ستظلُّ منفتحةً على هكذا أعمال صحافيّة وغيرها، وذلك للتّحفيز ولزرع بذرة العطاء في مثلما هكذا تقارير تستدعي الإنفتاح.

التّحقيق من إعداد التّلاميذ :  (إيمان الكستافي، آية حنبلي، جهاد كظيم).