يحتفل العالم العربي والإسلامي كل عام في الثاني عشر من شهر ربيع الأول الهجري بالمولد النبوي الشريف, مولد خاتم الأنبياء و الرسل النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.


احتفالات كبيرة، تختلف في تفاصيلها وطقوسها لكنها تجتمع على التعبير عن حب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بإكرام ذكرى مولده التي تُعتبر ولادة جديدة للبشرية التي اكتشفت نور الوحي ورسالة الإسلام الخالدة.

تحل ذكرى المولد هذه السنة على وقع جائحة كورونا التي أثرت على عادات الاحتفال، إلا انها لن تنجح في التأثير على تقاليد احتفال الدول العربية بهذه المناسبة، فيما يرى  البعض أن الإساءات الأخيرة التي يتعرض لها الجناب النبوي الشريف في فرنسا بدعوى حرية التعبير، سيؤدي إلى ارتفاع بأعداد المحتفلين بولادته إذ خرج مئات الآلاف بمختلف الدول الإسلامية منددين بالإساءة.

تختلف الطقوس من دولة لأخرى لكنها تتشابه في التعبير عن الحب،  ففي الجزائر تبدي الأسر  اهتماما كبيرا بالاحتفال بالذكرى التي غالبا ما تتصدرها عادات وتقاليد تفضلها العديد من العائلات،  بالتجمع على مائدة عشاء خاص بهذه المناسبة الدينية، تحمل إسم عشاء المولود، المتكون من أكلة تقليدية حسب أهل المنطقة،  الشخشوخة في بسكرة، الطعام أو السكسو بمنطقة القبائل، الرشتة بالعاصمة، والتريدة في الشرق الجزائري.

ولا ينسى الجزائريون أن أول ناد لكرة القدم أسس في عهد الاستعمار الفرنسي، حمل اسم المولودية لتأسيسه بمناسبة المولد النبوي الشريف في عام 1921.

تجتمع العائلة حول مأدبة العشاء المنارة بالشموع ورائحة العنبر، وبعد الإنتهاء من العشاء، يخرج الأطفال إلى عالمهم الخاص، عالم المفرقعات والألعاب النارية إذ تتلبد سماء الجزائر بالدخان وتختلط الروائح بين البارود و العنبر والبخور، فتتحول تلك الأحياء التي عادة ما تكون في هذا الوقت نائمة، إلى ساحة للمعارك سكت فيها الكلام ونطقت فيها المدافع، فصوت الانفجاريات المدوية لن ينقطع طيلة الليل على وقع المفرقعات، كما تفضل العديد من العائلات الجزائرية قضائها في التجمع للسهر واحتساء الشاي.

 

الذكرى بالنسبة لعدد من الأسر المغاربية فرصة لزيارة الأقارب والأحباء، فيما تستمر الايادي برفع الدعاء لسائر المسلمين، وتبدأ الجلسات بالذكر المجرد، تتناوب خلالها القصائد في تمجيد الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما هو الحال في المجالس المغربية جنوباً و شمالاً، حيث تتبادل  الزيارات وإقامة السهرات العائلية في هذه الليلة.

وفي تونس تتقارب مظاهر الاحتفال في معظم الولايات، وتختلف بعضها مع الاحتفاظ بالطقوس السائدة في كافة الولايات والتي تتمثل في حفلات الذكر الصوفية، وأن هذه الطقوس تصاحب بإعداد “العصيدة” وهي وجبة تونسية تطهى في المولد النبوي الشريف بشكل أساسي ويضاف لها “حبة الزقوقو وهو ثمرة شجرة الصنوبر”، ويتبادل الأهالي الزيارات بينهم البعض، وتقوم كل أسرة بإهداء كمية من العصيدة للأسرة الأخرى التي تزورها.


ويضاف أن بعض المناطق تعتمد على العصيدة البلدي المكونة من القمح والزبدة والعسل نظرا لارتفاع أسعار الزقوقو أو ارتباط تلك المناطق بالعصيدة القديمة، أما في ولاية نابل فتصنع عروسة المولد من الحلوى وهي عادة قائمة حتى الآن في الولاية وبعض المناطق المجاورة. تلك الإحتفلات لا تخلو من حرص الشعب التونسي على زيارة المساجد بشكل كبير خلال الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، وذلك للاستماع للابتهالات والاحتفالات الصوفية.


و بالعودة للمغرب، فقد لا تختلف الامور كثيراً حيث يعتمد الشعب المغربي على إقامة ندوات الذكر في المساجد والتجمعات العلمية، و تختلف العادات في المغرب من مدينة إلى أخرى، في بعض المناطق هناك تعمق أكبر في الاحتفالات، عندما يكون التاريخ عريقاً كما هو الحال بالنسبة للمدن العلمية: فاس، ومكناس، وسلا، السمارة و الرباط.

المطبخ المغربي مليئ بعديد الوجبات المرتبطة بالمولد النبوي على رأسها الكسكس واللحم بالبرقوق والمشمش والسفة، كما يحرص المغاربة على إعداد بعض الأكلات المغربية المرتبطة بهذه المناسبة، في ليلة “المليودية” وهي ليلة المولد النبوي تقام داخل المنازل المرتبطة بالصوفية بشكل أكبر.

وفي موريتانيا يرتدي الأطفال الملابس الجديدة وتقام الاحتفالات فى المراكز الدينية، إضافة إلى إعطاء الطلبة إجازة خاصة تسمى “قرود” أو “خرود”، حسب المناطق في موريتانيا.


أهم ما يميز احتفالات المولد التي تمتد شهرا كاملا، المدائح النبوية التي تقام لها فعاليات في أماكن مفتوحة، وعلى وقع رقصات شعبية وألعاب فلكلورية.
وفي الزوايا الصوفية، تقام ليال عامرة بالابتهالات والمدائح النبوية والأذكار، حيث يتحلق المريدون حول الشيخ، ينشدون ميمية البوصيري في المديح، وأشعار ابن الفارض وغيره من شعراء الصوفية.


فى حفلات المديح، يحضر “الطبل” التقليدي فقط، دون أدوات موسيقية أخرى، وتختار الكلمات وفق أوزان خاصة بالشعر الشعبي المعروف بـلغن. يختار المدّاحون الليالي المقمرة لبدء جلسات المديح التي يحضرها المئات، ويتنافس الشعراء في ارتجال الأبيات و”الكيفان” تفاعلا مع المنشدين والمداحين.
كانت تسري قديما بين عادات الاحتفال بالمولد بموريتانيا أن يأخذ طلاب المدارس الأهلية عطلة ثلاثة أيام قبله، وتعرف بـقرود، ويرتدي الرجال ملابس جديدة، وتتخضب النساء بالحناء، ويتزيَّنَّ بمختلف أنواع الزينة، وتختار المرأة الملحفة، وهي الزي النسائي من نوع النيله لونها أسود فاحم، أو صفانه، أما الآن فمن أنواع مختلفة وبألوان متنوعة.

في سياق آخر، يمر ذكرى مولد الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم هذا العام وسط  حالة من الغضب الشعبي العربي و الإسلامي الكبير، شمل مظاهرات واستدعاء دبلوماسيين وتوتر علاقات بين فرنسا و العديد من دول العالم الإسلامي، حيث تتواصل في عدد من الدول العربية والإسلامية حملات مقاطعة البضائع الفرنسية، ردا على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.


يترافق ذلك مع استمرار دعوات المقاطعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر وَسم #قاطعوا_فرنسا باللغة الإنجليزية قوائم التداول على تويتر في دول عدة.


أما على الصعيد الدولي وفي سياق ردود الفعل، أدانت 13 دولة عربية وإسلامية خطابات الكراهية والإساءة، التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضد الإسلام والمسلمين، والتي مست شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم.