اقتصاد مزدهر، ذلك ما توقعه المغاربة بعد الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع سنة 2012 لصالح حزب العدالة و التنمية المغربي. اعتبارات دينية و أخلاقية بنت الثقة بين الحزب و الناخبين، لكنها مافتئت أن اضمحلّت كليا مع أمواج من الشكوك التي مهدت لها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فبعد أزمة 2008 العالمية الخانقة و ما تلاها من الظروف السياسيّة الصعبة، والتي رافقت الربيع العربي سنة 2011، عاد المغرب مرّة أخرى لصندوق النقد الدولي من أجل الاستدانة، لكن هذه المرّة بشكل أكبر مما سبقه.


مديونية المغرب الخارجيّة التي بلغت سنة 2017 حوالي 33 مليار دولار – بحسب دراسة نشرها معهد ماكينزي الأمريكي – نصفها للبنك الدولي. تجعل المملكة الأكثر استدانة عربيًّا وأفريقيًا مقارنة بناتجها الداخلي الخام، حيث وصلت في عهد الحكومة الماضية إلى أقصى مستويات ارتفاعها مسجلة 67% فقط بالنسبة للدين الحكومي من الناتج الداخلي الخام.

 

المقرضون ليسو مؤسسات خيرية؟

لا يصح أن نعتقد بأن صندوق النقد الدولي مؤسسة خيرية تقدم التبرعات المجانية! بل هذه الأموال التي تضخها في ميزانيات الدول على شكل قروض تخول لها بالضرورة حق التدخل في سياساتها الاقتصادية، لكن ذلك طبعاً يعني أن هذه السيولة الممنوحة لن تستثمر في قطاعات اجتماعية كالصحة و التعليم، و بذلك فأي سياسة إصلاحية في ظل نظام الإقراض قد تعود على مواطني الدول المقترضة بآثار سلبية جمة.

عمر الراجي الباحث المتخصص في الاقتصاد الكلي يرى بأن تفاقم الدين العام و احتسابه من الصادرات، و تراكم فوائد المديونية سيترتب عنها التزامات مالية تثقل كاهل الميزانية، مما يمكن أن يجعل من سياسة الاستدانة عبء مزمنا يكبح ويقيد حركة النمو الاقتصادي، وفي أحيان كثيرة يمكن أن يكون الدين العام مصدر عجز بدل أن يكون فرصة للاستثمار الذي يصنع الفائض.

من جانبهم دافع وزراء الحزب الحاكم  عن سياسة الاستدانة بمسوغ أنّه لا مناص منها، مؤكدين أن هذه السياسة الاقتصادية كانت مكرّسة قبل وصول حزب العدالة و التنمية إلى السلطة سنة 2012، مما يجعل المسألة تعاملا مع  أمر واقع ومشاكل اقتصادية متجذّرةً لا أكثر، ليس هو المتسبب فيها، بل يعد بتراجعها على المستوى القريب.

 

أوصى بهيكلة صندوقي المقاصة و التقاعد!

 

في سنة 2012 عرض صندوق النقد الدولي على المغرب حزمة من الإصلاحات من بينها مراجعة الدعم الحكومي المقدم عبر “صندوق المقاصة”، الموجّه بشكل أساسيّ لدعم سلع، كالمحروقات، و الدقيق، و الكهرباء، و باقي المواد واسعة الاستهلاك. في بلد تعيش شريحة مهمة من سكّانه تحت خطّر الفقر. بحجة أنه يشكل بميزانيته الضخمة ثقلاً على كاهل الحكومة، التي يذهب جزء كبير من ميزانيتها في تغطية نفقاته، دون أيّة عوائد مباشرة على الاقتصاد.

 

و غير بعيد عن ذلك، و تحديداً بعد وصولهم لسدة الحكم  أعلن المسؤولون في العدالة و التنمية عن عدّة ورشات إصلاحيّة، من بينها ورش إصلاح صندوق التقاعد الذي تشكل ميزانيته هي الأخرى ثقلاً آخر بالنسبة لميزانيّة الدولة، لكن الواقع أشار لشيء آخر! هو أن السلطات اضطرّت آن ذاك و تحت ضغط من المقرضين الدوليين إلى زيادة سنّ التقاعد من 62 سنة إلى 65 سنة.

 

هذه الحكومة و في مجمل سنوات توليها لتسيير أمور البلاد، قد تكون نسبت إلى نفسها مجموعة من الإنجازات في ما يتعلق بتحسين المستوى المعيشي للمواطن و حسن السير الاقتصادي للبلاد، و أيّا كان مصدر هذه السياسات و الإصلاحات يبقى من الأكيد أنها لم تجد صدى في الشارع المغربي الذي يلامس على أرض الواقع تحول الظروف المعيشية إلى الأسوء ويكتوي بغلاء الأسعار.