ظلت موريتانيا و لفترة طويلة محكومة بواقع اجتماعي و سياسي أقل ما يمكن أن يقال في حقه أنه واقع لا يرقى لمصاف الدول الحديثة، ذلك أن البنيات التقليدية ما قبل وجود الدولة ظلت مسيطرة على المشهد ، و مشكلة لكل تجلياته الثقافية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية .

لا ينكر أحد أن المستعمر حين جاء لم يجد أمامه إدارة ، وحين غادر تركنا كما كنا من قبل، مجرد قبائل متناثرة لا تؤمن بالدولة المدنية، و أنى لها أن تؤمن بها .. والدولة المدنية هي نتاج تراكمات ثقافية، و ليست مجرد فكرة عابرة يقتنع بها شخص أو لا يقتنع !

و مع الإستقلال  سعي رجال الدولة آنذاك لإنشاء إدارة سياسية لقيادة الدولة و أجهزتها، فاستعنا بالخبرات الأجنبية “السنغالية أساسا” و قطعنا أشواطا في سبيل إرساء مفاهيم الدولة الحديثة و كل ما يتعلق بها، وكانت الخطة التنموية تسير بشكل متدرج و مخطط له، إلا أن الجفاف الذي ضرب البلاد سنة 1968، وموجة النزوح الجماعي من الريف إلى المدينة بفعل هذا الحدث، أربكت خطط الدولة و أصابتها في مقتل و خصوصا في الجانب الحضري ” تخطيط المدن … ظاهرة الكزرة .. ”

وشهدت البلاد إصلاحات على كافة المستويات : تعليمية، قضائية، دستورية، شملت إقرار تشريعات قانونية، وسن مدونات، في مختلف فترات الحكم ومنها إصلاح 1999 الدراسي، الذي سبب انهيارا لمنظومة التعليم فأصبحت بلادنا أنموذجا في فشل التعليم و مما زاد الطين بلة رفع الحكومة يدها عن قطاع التعليم و فتح المجال للخواص للإستثمار فيه وهو ما شكل كارثة ليست نتائج الباكالوريا الأخيرة إلا مجرد مثال عليها ”

من شعبة الآداب الحديثة نجح فقط 99 شخص من بين 10 آلاف مترشح !! “و في خضم هذه التحولات كانت الإنترنت و تحرير الفضاء السمعي البصري و ظهور شبكات التواصل الإجتماعي الأحداث التي ستكون مؤثرة في هذا المجتمع أيما تأثير ، فانطلق الشعب بكل فئاته و مستوياته العمرية يتفاعل مع هذه الوسائط بلا حدود.

و في اللحظة التي كان على ” الكبار ” أن يمارسوا دورهم الرقابي على أبنائهم أضحوا ضحية هذه الوسائل و بالأخص ” واتساب ” الذي فجر ثورة تواصلية في المجتمع الموريتاني و شغل الدنيا و أصبح الشغل الشاغل للجميع ، هذا بالإضافة إلى ” اسناب شات ” و ” فيسبوك ” الذي أضحى مكانا للتشهير بالآخرين و سبهم و شتمهم و بث الإشاعات ضدهم خصوصا ضد الشخصيات العاملة في المجال العام ” حكومية و خصوصية “.

و إلى هذه اللحظة فأنا أتحدث عن واقع موريتانيا .. واقعها المرير ، فماهي الآفاق ياترى ؟!لا شك أن الجميع يتطلعون إلى موريتانيا محترمة واعية بدورها الريادي في أمتها ، ولن يكون ذلك إلا بإصلاح التعليم و تربية النشء على القيم الصالحة و نشر ثقافة التسامح و تكريس العدالة و المساواة بين مختلف فئات الشعب ، كما انه من المهم أن تمارس المعارضة دورها بعيدا عن المبالغات و أن تتحلى بمستوى من حب الوطن يجعلها تفرق بين النظام الحاكم و بين الدولة ، كما على النظام الحاكم أن يحتوي المعارضة و أن لا يعتبرها مجرد عدو بل هي خصم له ما له و عليه ما عليه ، و مهما يكن فموريتانيا للجميع و ستظل للجميع ..

عاشت موريتانيا حرة آمنة مزدهرة .