دخلت القارة الأوروبية بشكل عنيف في الموجة الثانية لفيروس كورونا، وسط توقعات متشائمة تتحدث عن عشرات الآلاف من الوفيات خلال فصلي الشتاء والخريف، خصوصا في بريطانيا التي تتجه لها الأنظار في القارة العجوز بالنظر لتسجيلها أعلى حصيلة من الوفيات في الموجة الأولى لتفشي الوباء.

ومنحت الأشهرُ الماضية الأجهزةَ الطبية والحكومات الأوروبية خبرةً في التعامل مع الفيروس، على الأقل من ناحية توفير المعدات الطبية اللازمة وتوفير الفحوص لكل العاملين في الصف الأمامي لمواجهة الوباء، لكن الذي لم يتغير هو السرعة التي يتفشى بها الفيروس، مما دفع جلّ الدول في أوروبا للإعلان رسميا عن الدخول في موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا.

و منذ إعلان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دخول بلاده الموجة الثانية من تفشي وباء كورونا يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي، سجلت البلاد 2191 وفاة، ودخلت في إحصاء أكثر من 100 وفاة يوميا بسبب الوباء.

قد يقول البعض إن هذه الأرقام ما زالت منخفضة مقارنة مع ما تم تسجيله في الموجة الأولى التي وصلت إلى أكثر من ألف وفاة في اليوم الواحد، إلا أن أعضاء من لجنة الطوارئ العملية التي تقدم الاستشارة للحكومة البريطانية، يجمعون على أن القادم في فصلي الشتاء والخريف سيكون أسوأ ربما من حصيلة الموجة الأولى.

وحذّر البروفيسور جون إدمون وهو في لجنة “سيج” (SAGE) التي تقدم الاستشارة العلمية للحكومة من أن إحصاء عشرات الآلاف من الوفيات خلال الموجة الثانية بات أمرا من الصعب تجنبه، بعد الفشل في احتواء تفشي الوباء.

وهي التوقعات التي تؤكدها إحصاءات اللجنة العلمية الاستشارية البريطانية التي تتوقع تسجيل 75 ألف حالة يوميا في الفترة المقبلة، خصوصا مع الإستراتيجية المتبعة من طرف الحكومة والمعتمدة على إغلاقات محلية، دون الإغلاق الوطني.

ورغم البحوث الجارية في بريطانيا على لقاح أكسفورد الذي يعتبر أوفر اللقاحات حظا للعبور من مرحلة الاختبار الثالثة، فإن الكثير من الأوساط العلمية تؤكد أن البلاد سيكون عليها العيش مع الفيروس لمدة ليست بالهينة، وفي أفضل الأحوال 6 أشهر قادمة.

وأمام هذا التفشي الخطير للفيروس الذي يقترب من الخروج عن السيطرة، تغيب حالة الإجماع الوطني التي كانت خلال الموجة الأولى، حيث كان الجميع يساند إغلاقا وطنيا ويشد على يد الحكومة التي أطلقت حزمة مساعدات غير مسبوقة.

لكن هذه المرة، هناك حالة حادة من الانقسام السياسي وحتى الشعبي بين حكومة تتبرم من سيناريو الإغلاق الوطني ومعارضة تطالب “بكسر سلسلة العدوى” بفرض إغلاق عام لمدة أسبوعين على الأقل، ومسؤولين محليين يعتبرون أن هناك حالة من الحيف تقع على مدنهم بإجبارها على اتخاذ إجراءات إغلاق أكثر صرامة.

ويضاف إلى حالة الحيرة والتخبط السياسي، ما يسميه العلماء “حالة الإرهاق” العام لدى المواطنين من إجراءات الإغلاق، كما أن استطلاعات الرأي تظهر أن نسبة المؤيدين لإغلاق عام جديد تراجعت مقارنة مع الموجة الأولى التي كانت فيها الأغلبية الساحقة مؤيدة له.