ترقب العيون من “العيون” و”السمارة” مروراً بـ”بجدور” وصولا إلى “الداخلة”، ومخيمات اللّجوء التي تحمل أسماءهن بأرض “تندوف”؛ حيث يتواجد نصف الجسد الصحراوي، أحداث المائدة المستديرة بـ”جنيف”، أوّلاً بأول، بدءًا من كواليس تسمية ممثلي طرفي النزاع : “المملكة المغربية” و”جبهة البوليساريو” وجها إلى وجه.

“الجزائر” و”موريتانيا” دولتا الجوار ملاحظتين لا أقل ولا أكثر، الأيادي على الزّناد في لوحات مفاتيح الهواتف النّقّالة والحواسيب، كما هي على فوّهات البنادق والمدافع، في خطوط التماسٍ بخصوص التّفاعل مع مائدة “جنيف”، الكل يتربّص ويبدي النّظر ويهلّل ويرفع أكفّ الدّعاء أن يأتيَ الله بالحلّ السلمي من على مائدة “جنيف” هذه.

وفد “البوليساريو” يقوده كما العادة؛ الرّجل الثاني في البرتوكول الرّسمي للتّنظيم رئيس البرلمان السيد؛ “خطري أدوه” خلفا لسلفه المرحوم “المحفوظ علي بيبا”، في ظلّ غياب رفيقه وزير الخارجية المعني بالملف أكثر، السيد “محمد سالم ولد السالك” في مقابل ترأس نظيره للوفد المغربي؛ السيد “ناصر بوريطة”، ممّا قد يكون تخفيض دبلوماسي مقصود من “المغرب” لم يتفطّن له الطّرف الآخر، عمومًا الصحراويون حاضرون بقوة هنا وهناك جملة وتفصيلا؛ سواءٌ كانوا مترئسين أو مرؤوسين.

وحضرت “الملحفة” مرفوعة الهامة بـ”سويسرا”، كما حضرت “الدّراعة” بلونيها الأبيض والأزرق مع الحذاء، إذ اختار رئيسي جهتي الساقية والوادي الظهور بالزي التقليدي في تأكيد للخارج، قبل الدّاخل، لشرعيّة التمثلية المتنازعة لهذه الرّبوع، بينما اختار بنو جلدتهم ورفيقتهم تغيير بذلاتهم العسكرية بأخريات مدنية وبصفة أدق، كما غرّد بعض رُوّاد “فيسبوك”؛ حضر قادة “حزب الاستقلال” في الصّحراء مع المطالبين بـ”استقلال” الصحراء، استفسر العديد عن غياب أو تغييب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية السيد “خليهن ولد الرشيد” العارف بخبايا الملف أكثر من غيره، والمبتعد أو المبعد عن الأنظار كثيراً، والمفترض فيه رسميًّا الحضور قبل أيٍّ كان، مما جعل العديد من المتابعين لا سيما في الضفّة الشرقية يصرحون بأنّه “متشنج” على قول ابن أخيه من هكذا أمر، السيدة “العدلي” وبدورها، حضورها أثار الكثير من اللّغط والاستفسار من المتابعين في الضفّة الغربية أكثر من تهكم العديدين على شخصها الكريم في الضفة الشرقية، عن الصّفة الفضفاضة التي خولتها الحضور كفاعلة سياسية، يمكن لأيٍّ كان حيازتها، مقاربة النوع للطرفين عموما محتشمة وذر للرماد في العيون أكثر ممّا هي واقعيّة، ولعلّه يوافق منطوق الآية الكريمة من سورة النساء، لقوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم : (فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة) صدق الله العظيم.

جبهة البوليساريو بدورها لم تسلم من سهام النقد، سواءٌ البناء أو الهدّام منه، وذلك برضوخها وقبولها للأمر الواقع؛ بتحويل مسار النّزاع من صحراوي مغربي إلى صحراوي صحراوي، بقبولها الجلوس للتفاوض مع أبناء جلدتها ولو أنّ من بينهم من كان يحمل السّلاح إلى جانبها في وجه جند القوات المسلحة الملكية المغربية في الأمس القريب، مما قد يطرح السؤال؛ ما موقف “الجبهة” إذن إذا أوفد “المغرب” غداً وفداً كُله وبرئاسة من بني الساقية والوادي المسجّلين في الإحصاء الإسباني؟

الدولة المغربية في حد ذاتها، سُجّل عليها تراجعٌ في موقفها السيادي بقبولها “الجزائر” كملاحظٍ لا كطرف، والجلوس بدون شروطٍ مسبقةٍ للتّفاوض مع “البوليساريو”، وما موقف المغرب كذلك إذا أعلن عن جولة جديدة، بحضور طرفي النزاع فقط دون الملاحظين؟ وبالتالي هل سيتحول بالفعل مسار النزاع لـ”صحراوي-صحراوي” صرف، برعايةٍ أمميّةٍ تستمع لوجهة نظر جميع الأطراف بأريحية وضمانات دولية، للسّلامة الجسدية والمصالح الشخصية والعائلية سواء لهذا الطرف المفاوض أو ذاك؟ من يدري ما يحاك ويطبخ في الغرف المغلقة بعيدًا عن الأنظار وعدسات الصّحافة، كلُّ شيءٍ واردٌ وممكن؟ أم أنّ “جنيف” ليست إلاّ محطّةَ استراحةٍ وعبورٍ ستُسجَّلُ لا محالة في تاريخ النزاع، كـ”منهاست” قبلها وغيرُ ذلك كثير؟ والحلُّ كلُّ الحلِّ في “الداخلة” و”بجدور” و”السمارة” و”العيون”.

 

بقلـم : د. عبد المولى بابـي