حينما تضيع القيم وتقتل المبادئ، يطغى كل شر، يسود الكذب، يعم النفاق، تكثر الخيانات، تقل البركة، يزيد الفساد، لذلك لا عيش كريم وسعيد لإنسان لا يملك مبدأ ولا يملك قيماً، فليس العيش الكريم بالمال والجاه بقدر ما هي الكرامة التي منبعها رضا الإنسان عن نفسه اولا، وعن تصرفاته وأفعاله ثانيا، وحرصه أن لا تتناقض أفعاله مع أقواله ثالثا.

إن مشكلة هذا الزمان أنه يجعل البعض يتصادم قسرا مع مبادئه، ويجعل عملية بيع القيم والمبادئ أضحت استثمارا مربحا وتجارة جديدة رابحة للبعض تعرض في سوق النخاسة بأبخس وأرخس الأثمان، لا تحتاج لرأسمال مادي حتى تعرض بقدر ما تحتاج لبيع المبادئ .

مشكلة هذا الزمان من يغير مواقفه ومبادئه بتغير الأزمنة أو الأمكنة وتطور الأحداث والمتغيرات، مشكلة هذا العصر أشخاص بلا مبدأ ولا قيمة تراهم يناقشون يتعاطفون يحللون يرقصون رقصة الديك المفروم، مرة هنا وأخرى هناك منهم من يمد اليد كمن باع مبدئه، ومنهم من يمد فكره وقلمه.

على الإنسان أن يعلم أن هذا الزمان تقلبات،وأن الدنيا فانية ويوما ما ستشرق الشمس من مغربها وتهتز هذه الأرض من تحتنا جميعا، وحينها لا تقبل توبة ولا يتغير موقف، على الإنسان أن يعلم أن هذا العصر حال وأحوال ومواقف، بعضها يكسر الهش، وبعضها يلوي القوي، وبعضها يختبر قوة تحمل الصبر المحتسب وذاك هو الأجر الكبير عند الله، على الإنسان أن يعلم أن هناك بعض الاشخاص تتغير مواقفهم كما يتغير لون دودة القز أربع مرات في اليوم، وتتغير مبادئهم كما يتغير صوت حشرة البق بين ضوء النهار وعتمة الليل، على البعض أن يعلم أن من يؤمن بالزمان ومن يظن بأن الدهر لا ينقلب فهو مخطئ، ومن يظن أن المعايير لا تتبدل واهم، فكم من شخص تغير بسرعة الضوء وتغير مئة درجة.

عايشنا بعضهم وراقبناهم عن بعد، هم فعلا بلا مبدأ باعوا أنفسهم بالمال او مصالح شخصية، استرزقوا في كثير من المحطات، وأخدموا النضال في أكثر من مرة، ركبوا على نضالات الجماهير وباعوا رفاقهم وهم لا يعلمون أن الدنيا كمن يحلم فقط،غدا كل منا سيحمل نعشه على أيادي اما من كنت مبدئيا معهم لم تخنهم مرة، أو سيحمل بين أيدي من كنت تخونهم تنابزهم بالألقاب في الخفاء وتقول عنهم ما ليس فيهم، لا يعلمون أن هذه الدنيا صارت للأبله فقط.

وبين هذا وذاك هناك من يؤثر التضحية بكل ما يملك لأجل قيمه، هناك من يؤثر تفويت الفرص وتضييع المغريات لأن مبادئه لا تقبل الخطأ، هناك من تعرض لضغوطات اما عائلية او أسرية لكن تحمل الصبر وفرج الله كربه، وعلى النقيض هناك من يبيع كل شيء، ضمير وقيم وأخلاق لأجل مكسب رخيص، هو أصله رخيص ولو كان عالي الثمن وغالي القدر، وهناك من يستغل الوقت للإصطياد في صحراء قاحلة، لا يعلم انه قد ينجو منها او قد يموت عطشا، فلا حياة دون كرامة، ولا كرامة دون مبادئ.

لا عزة لإنسان لا يصر على العيش عزيزاً، ولا خير في بشري يرى الحق ولا يتبعه ويرى الباطل فيهب منغمساً فيه ومدافعا عنه، ولا خير في انسان يستغل الضعيف لضرب القوي او ضرب القوي بالضعيف فذاك بلا مبدأ، ولا خير في ناقل الخبر من فم فلان وغمسه في أذن فلان فذاك أيضا بلا مبدأ.

هي النفس البشرية أمارة بالسوء، وللوقوع في مستنقعات السوء يبدأ المشوار بالتخلي عن المبادئ والقيم، يبيع المبادئ اما في مزاد سري للسلطة او بيع الفكر والقلم لجهة معينة مقابل خدمة معينة او مبلغ مالي معين او الكف في الدفاع عن المظلومين اذا ما نبهته جهة معينة بذلك.

وحينما تتحول القيم والمبادئ لدى البعض لشعارات فقط، تقابلها مسلكيات وممارسات تخلوا منها، ولا تقيم لها وزناً أو اعتباراً، هنا نكون في مرحلة مقامرة برحمة الله، حينها نكون سائرين بعكس ما يفترض بنا السير عليه، فنحارب نظيف اليد نقي السريرة، الصادح بالحق الرافض للباطل، وحينما ننجح في إسكات أهل الحق يسود الباطل، في معادلة واقعية تثبت صحتها على الدوام.

في كل زمان ومكان، هناك توزيع لأصحاب المبادئ وفاقديها، لأصحاب الحق وأصحاب الباطل، لكن النسب تتفاوت، فإن طغت الأولى فإنها رحمة من الله بأن جعل الخير يسود على يد هؤلاء الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، لكن إن طغت الثانية فهي من علامات الساعة التي تنقلب فيها الأمور فيصبح الحق باطلاً، ويصبح الصدق كذباً، ويظلم الطيب ويعلو شأن الخبيث.

هي المبادئ ليست في كثرة الكلام او اقناع للطرف الأخر او اللعب بعقول الناس،هي المبادئ كالأخلاق تسقى بماء المكرمات لا تباع ولا تشترى بالأثمان، هي المبادئ ليست بالظهور في الشاشات او الكاميرات فكم من مقدمين وصحفيين واذاعيين باعوا أنفسهم وغيروا خطهم للباطل.

هي المبادئ تعيش في الروح نصرة للحق ورفضا للباطل، . لذلك لا عيش كريم وسعيد لإنسان لا يملك مبدأ ولا يملك قيما ولا يتبث على عهد، فليس العيش الكريم بالمال والجاه بقدر ما هي الكرامة التي منبعها رضا الإنسان عن نفسه، وعن تصرفاته وأفعاله، وحرصه أن أفعاله ترضي الله ولا تغضبه. ان كنت بمبدأ عرفتك به السلطة ولو أنك شوكة حالقة في حلقها، ان كنت بمبدأ عرف الجميع قدرك واحترمك ورفع لك القبعة، ان كنت صاحب مبدأ حتى من كان يكرهك لا بد ان يأتي يوما سيحبك فيه.

يتبع