أماطت دراسة ميدانيّة حديثة اللّثام عن واقع نفسي واجتماعي معقّد يعيشه الشّباب المغربي، وسط شعارات رسميّة تَعِدُ بـ”الدّولة الاجتماعيّة” و”فرص التّشغيل”، مقابل مؤشّرات ميدانيّة تُظهر تفاقم مشاعر الإحباط وتزايد الرّغبة في الهجرة.

التّقرير الصّادر عن مركز “أفروباروميتر”، كشف أن أكثّر من ربع الشّباب المغربي بات يفكر جديًّا في مغادرة البلاد، رغم أنّ 73 في المئة منهم يرون أنّ المغرب يسير في الاتّجاه الصّحيح، في مفارقة تضع السّياسات العموميّة على محك المراجعة والفعّالية.

ورغم تفاؤل 54 في المئة بتحسّن الوضع الاقتصادي خلال العام المقبل، إلّا أنّ هذا الأمل يتقاطع مع شعور عميق بعدم الرّضا، خصوصًا مع تسجيل 86 في المئة عدم اقتناعهم بأداء الحكومة في كبح غلاء المعيشة، وهو ما يعمّق فجوة الثّقة بين الشّباب وصنّاع القرار.

الدّراسة أوضحت أنّ 28 في المئة من الشّباب يفكّرون بشكل فعلي في الهجرة، وهي نسبة تصاعدت من 20 في المئة سنة 2017، ممّا يعكس تنامي فقدان الأمل في تحسّن الأوضاع. وتُعدّ البطالة السّبب الأبرز لهذا التّوجّه، حيث عبّر أكثر من نصف الرّاغبين في الهجرة عن سعيهم وراء فرص عمل مفقودة في الدّاخل، خاصّةً في ظل معدّلات بطالة مرتفعة في صفوف حاملي الشّهادات العليا.

في المقابل، أعرب آخرون عن رغبتهم في الهجرة بدافع الدّراسة أو التّجارة أو ببساطة للهروب من الفقر، فيما اعتبرها البعض خَيارًا للحياة لا يرتبط مباشرةً بعامل اقتصادي.

وتسلّط الدّراسة الضّوء أيضًا على اختلالات هيكليّة تُعيق اندماج الشّباب في النّسيج المهني، منها ضعف الملاءمة بين التّكوين وسوق الشّغل (34%)، وغياب التّجربة العمليّة (18%)، فيما أقرّ 21 في المئة بأنّهم في وضعيّة بحث دائم عن العمل.

ورغم كل ذلك، لا يغيب بصيص الأمل تمامًا، إذ أشار 20 في المئة من الشّباب إلى تقديرهم لجهود الدّولة في مجال التّشغيل، في وقت لا يتجاوز فيه الرّضا عن جهود مكافحة غلاء الأسعار 14 في المئة فقط.

الدّراسة ترسم ملامح جيل ممزّق بين انتماء وقلق، بين من يختار البقاء بدافع الأمل أو القناعة، ومن يتطلّع للرّحيل بحثًا عن كرامة واعتراف. إنّها دعوة صريحة لإعادة التّفكير في الأولويّات، وإرساء سياسات تُنصت فعلًا لصوت الشّباب وتستجيب لطموحاتهم، قبل أن يتحوّل “الخَيار البديل” إلى “واقع هجرة جماعية صامتة”.