التقيت يوماً بمجموعة من كُتّاب السيناريو للأفلام العالمية، وتشرفت بتدريبهم (باللغة الإنجليزية) على تفاصيل السيرة النبوية الشريفة، تمهيداً لكتابة سيناريو لفيلم عالمي حول الرسول ﷺ، وكانوا في منتهى الاهتمام، وعرفت تميزهم من خلال الأسئلة التي كانوا يطرحونها، ومن بينها السؤال اللطيف التاليً: “هل لدى المسلمين ما يشبه الوصايا العشر التي أُنزلت على موسى عليه السلام؟”!

والوصايا العشر هي:

1- أنا إلهك، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.
‎2- لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأنني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.

3- لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا.
4 – اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وأمتك وبهيمتك ونـزيلك الذي داخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه.

5- أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك
6- لا تقتل
7- لا تزن
8- لا تسرق
9- لا تشهد على قريبك شهادة زور
10- لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك.

ونرجع لسؤالهم لي: “هل لديكم مثل الوصايا العشر؟” فقلت نعم، بل لدينا ما هو أكثر دقة وشمولاً وتفصيلاً، وأقصد الآيات العظيمات من سورة الإسراء الشريفة، وفيها ما يمكن تصنيفه الى الوصايا العشر الحكيمة التالية:

1- التوحيد

لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا” فلا تفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة ويطمح الناس ولا ينصرك أحد. “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ” فلا أحد يستحق أن يُعبد سواه سبحانه.

2- بر الوالدين

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” فبر الوالدين يصل إلى أدق التفاصيل مثل عدم التأفف الذي قد يجرح المشاعر النفسية فما بالكم بأعلى من ذلك.

3- الإخلاص والتوبة

رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ” فأخلصوا النية وطهروا القلوب. “إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا” فمن تاب وعاد الى الله ﷻ قَبِلَهَ الله سبحانه وغفر له.

4- الإنفاق السليم

وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ” فابدأ بالإنفاق على المحتاجين من الأقرباء أولاً. “وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ” وأحسن إلى المحتاجين المساكين من أهل بلدك وكذلك لغيرهم مثل عابري السبيل. “وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا” فلا تُضِعْ أموالك بالإنفاق على مالا تحتاج، “وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ” أي إذا لم تستطع الإنفاق على المحتاجين لعدم وجود المال لديك فأعرضت عنهم، “ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا” بانتظار أن يرزقك الله ﷻ، “فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا” إن لم تعطهم لعدم قدرتك ماليا، فعلى الأقل قل لهم كلمة طيبة.

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ” لا تجهضوا الأجنة في بُطُون الأمهات خوفاً من عدم إمكانية الإنفاق عليهم في المستقبل بسبب الإملاق أي الفقر، “نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم“ْ فالله تعالى متكفل برزقهم ورزقكم، “إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا” فالإجهاض كبيرة من الكبائر العظيمة، إلا لأسباب طبية شرعية.

5- طهارة المجتمع

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا” العلاقات الجنسية المحرمة، “إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً” رذيلة عظيمة، “وَسَاءَ سَبِيلًا” الطريق السيء المؤدي لانحطاط المجتمع.

6- حماية الأرواح البريئة

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ” والله تعالى جعل كل إنسان حرام الدم مهما كان دينه ومذهبه وعرقه، “إِلَّا بِالْحَقِّ” مثل الجهاد الحق والقصاص العادل، “وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا” فيؤخذ له الحق في الدنيا والآخرة، “فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا” فمن حق الولي أن يعفو أو يقبل الدية أو أن يقيم القصاص، “فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ” فلا يتجاوز الحد الشرعي بقتل غير المعتدي، كالاعتداء على أهل القاتل مثلاً. “إِنَّهُ كَانَ مَنصُورا” فالولي سينصره الله تعالى ويأخذ له الحق إذا التزم بالشرع.

 

7- رعاية الأيتام

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ” حافظوا عليها لضعفهم عن حماية حقوقهم فيصبح ذلك واجب كل المجتمع، “إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” كالأخذ منها للإنفاق عليهم حتى يكبروا، “حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ” ولا يكفي العمر ليتسلم اليتيم أمواله بل يلزم أن يكون لديه الرشد والحكمة في استعمال الأموال.

8- الوفاء بالالتزامات

وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ” أي الالتزامات والوعود والعقود بكافة أشكالها، “إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” سيتم الحساب يوم القيامة عن كل التزام تعهد به الانسان، ومدى وفئه به.

9- العدل

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ” فأعطوا الناس حقوقهم وافية كاملة، “وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ” فأقيموا العدل في تعاملاتكم المالية وغيرها، “ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا“.

10- التواضع

فبالإضافة إلى كل التوجيهات أعلاه، تدور الأخلاق حول كيفية التعامل مع الناس، وأساس الأمر هو التواضع، “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ” لا تقل رأيتُ وأنت لم تَر، أو سمعتُ وأنت لم تسمع أو علِمتُ وأنت لم تسمع، فلا تدعي العلم لتتفاخر على الناس، “إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” سيتم الحساب عن كل ادعاء بالباطل يوم القيامة.

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا” لا تغتر بنفسك فتسير مزهواً متبختراً وتتكبر على الناس، “إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” فأنت محدود القدرات وأنت ضعيف، “كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا” فالغرور والتكبر كان أول معصية حين قال إبليس لعنه الله ﷻ: أنا خير منه!! وهو أساس كل المعاصي فاحذر منه.

الخلاصة

ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا” فأساس الأمر كله هو التوحيد وتجنب الشرك، فيحصل الإنسان على الحكمة في الدنيا والفلاح في الآخرة.