لاشك أن مسألة الحقوق الثقافية للشعوب والأقليات، أضحت واحدة من بين أكبر التحديات والاهتمامات المطروحة في الوقت الحالي، بالنظر إلى الراهنية التي يكتسيها الموضوع، بين نشطاء الحركة الحقوقية والاجتماعية من جهة، وصناع القرار السياسي من جهة ثانية. فضلا عن الارتباط الحاصل بينهما وبين الهوية والمنظومة الحقوقية بشكل عام في بعدها الكوني والشمولي غير القابل للتجزئة والاختزال.

وإن كان طرح المسألة قد ارتبط بعدد من العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كالإعلان العالمي (المادة 29) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 15) وإعلان مبادئ التعاون الثقافي الولي (اليونسكو) وإعلان مكسيكو سيتي بشأن السياسة الثقافية وغيرها التي نحت في اتجاه تقرير جملة من الحقوق كحق المشاركة الحرة في الحياة الثقافية، وفي الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي، والحق في حماية مصالح الفرد المادية والمعنوية المترتبة عن أي إنتاج أدبي أو علمي أوفني صنعه…

فإن هناك سياقات جديدة عرفتها البلاد (دستور جديد) عززت التصنيف وأثارت النقاش حول المسألة وطنيا خصوصا أمام واقع وحاصل التنوع الثقافي واللغوي الذي يمتاز به البلد ككل والذي بدأ فيه الاشتغال يتسارع والحراك يتنامى في اتجاه الاعتراف به، وبالثقافات المشكلة له، وتقرير حقوق وثنائيات بشكل متوازي باتخاد التدابير التي تتطلب إنمائها واتساعها وادماج المهمش منها وفق استراتيجيات تستحضر التلازم والترابط بينهما وبين باقي حقوق الإنسان (المدنية والسياسية والاقتصادية).

ومن جهتها تعتبر ثقافة الصحراء وخاصة الثقافة الحسانية جزءا لايتجزأ من هذا التنوع والغنى الذي يحتاج إلى الاعتراف والإدماج والصيانة بالنظر إلى طابعها المائز الشفوي والهامشي (البعد عن المركز) وما يتهددها من مخاطر التلاشي وانعكاسات العولمة السلبية مما قد يجعلها في حكم ثقافة الأقليات التي لها الحق في التمتع بثقافتها وفرض وجود أنماطها الخاصة وصيغها المعتادة.

بيدا أن هناك التفاتات وجهود معتبرة أخدت تتجه صوب فتح هامش من الحرية للعناية بالمسألة الثقافية بالصحراء، كطرح عدد من التدابير الإجرائية كتأهيلها واستثمارها في التخطيط التنموي الذي باشرته الدولة، وفتح الدرس الأكاديمي على الاشتغال عليها وهذا ما احتضنته مجموعة من الجامعات المغربية، وإن كان هذا الاشتغال يبقى محتشما من حيث المردودية نظرا لغياب أطر صحراوية في الجامعات قادرة على التأطير والتوجيه والتصويب، واقتراح مواضيع جديدة، والانفتاح على أسئلة وإشكالات أكثر عمقا، وتفادي اجترار نفس الإشارات وتلقف نفس الأمثلة والمواضيع، والمقاربة الوصفية السطحية التي أصبحت سمة لأغلب ما البحوث والدراسات في هذا المجال…

وفِي ظل الحديث عن الجامعة وعن نخب من المناطق الجنوبية وهلمجرا لما لا نتحدث عن إنشاء جامعة ذات الاستقطاب المفتوح في هذه الربوع من المملكة، ألم يحن الوقت لتنعم هذه المناطق شأنها شأن باقي مدن الشمال بجامعة مستقلة؟؟

لعل هذا ما نأمله ونتمناه كنخب حتى نعيد لهذه المناطق إشعاعا ثقافيا عرفت به في مراحل متقدمة من الزمن حينما كانت الصحراء منارة للعلم والتعلم وكانت الجامعات متنقلة على ظهور العيس. إن ثقافتنا جزء من هويتنا والذي لا نريد لها الطمس أو الخفوت والاندثار، لذلك وجب التعجيل بكل ما يمكنه الحفاظ عليها وإعطائها قيمتها ووضعها في سياقها والتعريف بها .