ونحن نتابع التقارير الصادرة عن بعض الوزارات وتصريحات كبار المسؤولين، ينتابنا استغراب يصل حد الذهول، فقبل ثلاثة أيام أطلت علينا وزارة الاقتصاد والمالية، بمذكرة حول التوزيع الجهوي للاستثمار لسنة 2018، والتي اعلنت فيها بأن معدل الاستثمارات المنجزة في جهة العيون الساقية الحمراء، تأتي في صدارة كل الاستثمارات المنجزة على صعيد المغرب، بما مجموعه 17.8 مليار درهم، فضلاً عن كون الجهة تحتل المرتبة الأولى على مستوى مناصب الشغل المباشرة، بما مجموعه أيضاً 2851 منصب شغل مباشر !!

هذا دون أن ننسى التقرير “العجيب” لمجموعة المكتب “الشريف” للفوسفاط، الذي أوردت فيه بأنها تسهر على ضمان استفادة الساكنة المحلية من مجموع المداخيل المترتبة عن العمليات الصناعية لفوسبوكراع، وبأن أرباح فرعها فوسبوكراع، والبالغة حسب ذات التقرير 2,7 مليار درهم سنويا، يعاد استثمارها بنسبة 100 في المائة بمناطق اشتغالها، وعلى انها -أي مجموعة المكتب “الشريف” للفوسفاط- توفر عائدات حقيقية للساكنة المحلية بالمناطق التي تحتضن أنشطتها المعدنية والصناعية.

عن أي صحراء يتحدثون ؟  إنه أول سؤال يقفز الى أذهان الصحراويين بعد سماعهم لجملة من تلك التقارير ..

فالصحراء التي مساحتها 266 الف كلومتر مربع ولا تضم ولو نواة جامعية واحدة، والصحراء التي لا تتوفر على مستشفى جامعي واحد، والصحراء التي لا يطلق فيها الماء “الصالح للشرب” سوى ساعتين في اليوم، الصحراء التي لا تزال طرقها على حالها كما دخلها المغرب أول مرة “شبه طرق”، الصحراء التي يتظاهر ويقمع فيها كل يوم آلاف المعوزين والارامل والمتقاعدين والمعطلين من أطر ومجازين وتقنيين من اجل حقهم المكفول دستوريا والمتمثل في الشغل والعيش الكريم..، قطعاً ليست هي الصحراء التي يتحدثون عنها في تلك التقارير الوردية، إما هذا وإما انهم يكذبون.

كل شيء في الواقع يُكذّبُ هذه التقارير، فمجموعة المكتب “الشريف” للفوسفاط، التي تدعي انها تستثمر كل أرباحها محليا، لم تكلف نفسها حتى عناء تعبيد الطريق الرابطة بين منجم فوسبوكراع ومدينة العيون، نفسها الطريق الكارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا تمر سنة إلا وأخذت كماً من الارواحم لم يعد من اليسير تعداده، فما بالك بأن تستثمر  ملايير الدراهم في ما يعود على ساكنة المنطقة بالنفع.

بل إنها لا زالت -شركة فوسبوكراع- ترفض حتى الكشف عن لوائح الخمس مئة شخص الذين قامت بتوظيفهم وزعمت بأنهم من ابناء المنطقة، في تستر فاضح على شبهة فساد ازكمت رائحته الأنوف، وفي انتهاك صارخ للحق في الوصول للمعلومة، والغاء جلي لمبدأ الشفافية.

كل شيء في الواقع يُكذّبُ هذه التقارير!!

إن السواد الاعم من ساكنة الصحراء لا يزال يرزح تحت ويلات الفقر والهشاشة، ولا تزال صدور الشباب ملآى بمشاعر الحرمان، والإحساس بالحيف، خاصة مع إدراكهم أن الفرق شاسع بين الواقع والممكن، فبالعودة إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نجده يقر بأن سواحل الأقاليم الجنوبية وفرت خلال سنة واحدة ما قدره  78.7 بالمائة من حجم الأسماك المصطادة على صعيد المغرب (حوالي 930.000 طنا)، وهو ما يشكل نسبة 69 بالمائة من مجموع مداخيل المغرب من عائدات الصيد البحري ككل، أي أن سواحل الصحراء ادخلت على خزينة الدولة في سنة واحدة مبلغ  5,4 مليار درهم.

من هنا نفهم لماذا قال خالد الناصري الناطق الاسبق باسم الحكومة جملته الشهيرة “المغرب بدون صحراء لا يساوي بصلة”.

لكن وبالرغم من كل هذه الملايير التي تخرج من الصحراء في اتجاه المجهول، لا تزال نسب البطالة تضرب الأطناب في الاقاليم الجنوبية، فوفق تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ذاته، نجد أن نسبة بطالة الشباب في الصحراء تلامس ضعف نسبة بطالة الشباب في الشمال، هذا على الرغم من أن مجموع الساكنة في الاقاليم الجنوبية، صحراويين أو غير صحراويين حسب آخر الارقام الرسمية هي أقل من مليون نسمة.

“المغرب بدون صحراء لا يساوي بصلة” !!.

ليتبادر إلى الذهن تساؤل آخر، ماذا لو جمعنا عائدات الفوسفاط المستخرج من منجم فوسبوكراع، وعائدات الاسماك المستخرجة من مياه الاقاليم الجنوبية، ووزعناها على عدد السكان في هذه الاقاليم؟، سواء الصحراويين منهم أو المنحدرين من مناطق الشمال، والبالغين حسب اخر الارقام الرسمية 942,458 نسمة؟

بعملية حسابية بسيطة تظهر النتيجة، وهي أن كل عائلة مكونة من 5 أفراد، تستحق راتباً ماليا مباشرا يناهز أربعة آلاف درهم شهريا، من عائدات الصيد البحري والفوسفاط المستخرج من منجم بوكراع فقط.

… يتبع