يعيشُ النِّظامُ الحاكمُ في “الجزائر” حاليّاً، واحدةً من اَصعبِ فتراتِ تاريخهِ المُعاصر، إذ تتجدُّد الإحتجاجاتُ الرّافضةُ لاستمرارِ حُكمِ الرَّئيس “عبد العزيز بوتفليقة”، بشكلٍ أسبوعي على الشّارع، في أكبرِ مُظاهراتٍ تَشهدها المَنطقةُ مُنذُ ما يُسمَّى بثوراتِ “الرّبيعِ العربي” التي اندلعَت شرارتُها عام 2011.

المحتجُّون الذين طالبوا الرّئيس، البالغ من العُمر الـ82 عاماً، بعدم التّرشُّح في اِنتخابات الـ18 من أبريل المُقبل، لم تُسمعْ أصواتُهم؛ بدليل تقديم “بوتفليقة” لملفِّ ترشُّحه، كرئيس مُرتقب لعهدة خامسة، قبل أن يتعهَّد الأخير بتنظيم اِنتخابات رئاسِيّة مُبكِّرة في حال فوزه، واِجراء اِصلاحات سياسيّة عميقة، لتتطوّرَ بعدها الأمور و تصلَ لماهي عليه الآن من أزمة.

 

سياقٌ محمومٌ، يُلقي بظلالهِ -بلا شك- على توجُّهات الدَّولة و نهجها في صياغةِ مواقفها الخارجيَّة، إذ تدخل “الجزائر” الجولة الثانية من مائدة “جينيف” المستديرة، طرفاً موالياً لطرح “جبهة البوليساريو”، في النِّزاع حول “الصّحراء” الذي عمَّر طويلاً، بينما يستمرُّ “المغرب” في وصفها بالمُخاطب الأوّل، عندما يتعلّقُ الأمرُ بالبحث عن حلٍّ توافُقيٍّ حقيقي.

في هذا السياق يرى “د.إدريس قريش”؛ الخبير في العلاقات الدّوليّة، أنّ “الحراك الجزائري يعكس رغبة الشّعب في اِعادة بناء مؤسّسات الدّولة عبر آليّات حديثة تتماشى ومعطيات العصر الرّاهن، بعيداً عن منطق الدّولة التي تأسّست في ستّينيات القرن الماضي على آليات جيوستراتيجيّة، شكّلت معالمها مرحلة الحرب الباردة وأصبحت الآن مُتجاوزةً بكلِّ المقاييس”.

عقليّة يرى المُتحدّث، أنّها “أدّت إلى خلق دولة غنيّة بشعبٍ فقير”، وهو ذاتُ المُعطى الملاحظ في آخر قلاع هذا التوجُّه، بكُلٍّ من “فينزويلا” ونيكاراغوا”، تجاوُزُ هذه العقليّة، سيكون بمثابة القطيعة مع توجُّهات تتأسّس في كُنهها على منطق الدّولة “مُغلقة الحدود”، تجعلُ من العداء مع الشّعب المغربي هدفاً نُصبَ أعيُنها، بشكلٍ يجعلُ من المُستحيلِ على الدّولة ذات العقلية المُنغلقة، أن تتحرّك نحو المُستقبل المُشترك المنشود.

ولا شكَّ، أنّ الإنفتاحَ سيكونُ شعارَ “الجزائر الجديدة”، إذا ما هي انسجمت مع الأفكار التّنويريّة المُنبثقة من عُمقِ الشّارع واِرادة الشّعب، الذي يملكُ اِمتداداً تاريخيّاً، عائليّاً، وجغرافيّاً مع “المغرب”، بشكلٍ يُعزِّز الإنفتاح والتّواصُل، ويجعلُ القطيعةَ، وضعيّةً محكوماً عليها بالقضاء.

وعن الوضعيّة الحاليّة، التي تعيشها الجارة “الجزائر”، يُضيف أستاذ القانون والعلاقات الدّوليّة؛ “نتمنّى أن يتمَّ التّعامل مع هذه الظّرفيّة بقدرٍ كبير من الحكمة والوعي، المُنسجم مع التّحرُّكات الشّعبيّة الحضاريّة، وعيٌ يرتقي إلى مُستوى طموحات الشّعبين الشّقيقيْن”.

أمّا في ما يتعلّقُ بتأثيرِ الوضعيّة الدّاخليّة على التّوجُّهات الخارجيّة للدبلوماسية الجزائريّة، ومواقفها تُجاهَ قضيّة الصّحراء، فيُضيفُ الدّكتور “قريش”؛ أنّ “هاجس مُشكل الصّحراء المغربيّة، يطغى بشكلٍ كبيرٍ على توجُّهات القادة الذين أفسدوا الجزائر، بدليل اِثارة نائب الوزير الأوّل ووزير الخارجية الجديد (رمطان لعمامرة) -الذي سيُمثّل الجزائر خلال المائدة المُستديرة الثّانية- للملف، على هامشِ زيارتهِ  الأخيرة لكُلٍّ من روسيا و ألمانيا، في ظرفيّةٍ حاسمة على مستوى الدّاخل، وكأنّ الموضوع هو الهاجس الأساسي للدّبلوماسيّة الجزائريّة”.

توجُّهاتٌ وآراء، لم تفتأ أن زادت من تعقيدِ الوضعِ في إطارِ المائدة المُستدير (جنيف2)، فبدلَ أن تكونَ مُناسبةً لزرع الثّقة المفقودة بين (الرباط) و (الجزائر العاصمة)، تُشكِّلُ حائطاً طويلاً أمام وضعِ أساسٍ صلب لمُفاوضاتٍ مُثمرة، بل وتأتي في اتّجاه معاكس لما نصّ عليه قرار مجلس الأمن رقم 2440، الدّاعي إلى مُحادثاتٍ مبنيّة على حُسن النيّة.

إلى ذلك، لم يُخفِ المُتحدِّث (الدّكتور إدريس قريش) أملهُ، في أن تكون التّغيُّرات الحالية وما سيليها في الأيّام القليلة المُقبلة، بمثابة جو صحِّي ومُلائم لتحقيقِ نقلةٍ نوعيّة نحو مُستقبلٍ زاهرٍ للمنطقة، والقارّة الإفريقيّة ككُل، منبني على التّعاون، الإحترا، والوحدة.