انحسار أدوار المؤسسات التربوية

أصبح من المقطوع به ؛ وفي ظل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي واستبدادها باهتمام الأفراد والجماعات ؛ أن دور الأسرة في تربية النشء أخذ في الانحسار والضمور ، ولم يعد ذا أهمية إلا في تأمين وتلبية بعض الضروريات والاستجابة لمطالب ترفيهية . ولا غرو في أن مائدة الطعام التي كانت بالأمس تتصدر واجهة الغرف المنزلية ويتحلق حولها أفراد الأسرة الواحدة مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم .. لم يعد لها وجود بتلك الصفة لبروز غريم لها ( الهاتف الذكي ) والذي طوّح بكل فرد في ركن منزو من المنزل مشدود بجميع حواسه إلى العالم الافتراضي الأزرق ، ولم يعد هذا الفرد يبالي بما يجري حوله ، لا الآباء ولا الأمهات عادوا يكترثون بتربية أبنائهم إلا تحت وقع الاستجابة لمطالبهم المادية والترفيهية .

وهكذا ؛ وفي مثل هذا الجو الخانق والمغلق ؛ يشب الطفل منزوع القيم وذات شخصية مهزوزة … ولدى خوضه لمعركة الحياة مرورا بالمدرسة فالمجتمع يلفي نفسه في بيئة تحتضن العنف بجميع صوره من الإجرام والتعاطي للمخدرات والدعارة ..

الأمية والبطالة والفقر وإذكاؤها للسلوك الهمجي

هناك ثمة علاقة جد قوية بين السلوك الهمجي والبطالة المبطنة بالأمية والفقر . والمجتمع المغربي يموج بصور يومية من العنف الحاد ؛ سواء تعلق الأمر باحتلال العصابات الإجرامية للأحياء أو امتهان الدعارة الأخلاقية أو التعاطي للمخدرات … مما حول الشارع المغربي إلى مرتع خصب وواجهة للرعب والتلاسن النابي والقذف والعنف المتبادل إلى درجة من الهول حيث لم تسلم منه مرافقنا العمومية ؛ كنت في المقهى أو على متن قطار أو بالطريق السيار أو بمحطات الأطوبيس …!

ملاعبنا وأبواب معاهدنا متنفس للسلوك الهمجي

لا يجب أن نحجب عن أنظارنا حقيقة العنف الهمجي والنظر إليه فقط في الملاعب الرياضية … بل هو بالكاد ظاهرة عامة غزت كل المرافق سواء عند مداخل معاهدنا ( إعداديات ؛ ثانويات ؛ جامعات ..) أو بالملاعب الرياضية .. فقد اعتاد الناس معايشتها وترصدها اتقاء لتداعياتها من رشق السيارات والحافلات بالحجارة وأحيانا بإضرام النيران في العجلات المطاطية .. وإن لم يكن فبالتخريب ، حتى إن معظم المواطنين ـ بمن فيهم أرباب الطاكسيات ـ يحجمون عن استعمال سياراتهم أو ركوب الطاكسي يوم المباراة أو المناطق المحاذية للملاعب ، وبخصوص هذه الأخيرة فنلفي أنفسنا وسط جمهور معظمه ينتمي إلى فئة الشباب (16 إلى 35 سنة) وقد تعبأ بقطع المخدرات والعصي وفتائل النيران … ليفرغ ما بجعبته إما في المدرجات ـ خلال إجراء المباريات ـ أو في أعقابها … فتتحول الشوارع إلى ميادين للكوريدا ..حراك وغوغاء وصفير وزعيق ورشق وضرب وملاسنات طائرة … صادرة من بشر وقد ركبته حالات هيستيرية ورعونة وهمجية بصور مرعبة تأتي على الأخضر واليابس !

فالشباب المغربي حاليا ؛ وفي كلمة ؛ قد تمكنت منه الهمجية بصورة أو أخرى ، وهو مآل طبيعي ونتيجة حتمية في ظل غياب أو بالأحرى انحسار أدوار المؤسسات التربوية المباشرة منها وغير المباشرة ، فضلا عن هيمنة صور العنف والإحباط وانهيار القيم داخل مجتمع تستبد به أرقام مخيفة عن الأمية والبطالة والفقر !