تسعى إسرائيل إلى تنزيل سياسة التّهجير وكذا مخطّطاتها الإستعماريّة على أرض الواقع، وذلك بالمواصلة في تهييء ظروف الإجتياح لرفح ومحيطها، أقصى جنوبي قطاع غزّة، على الحدود المصريّة، إذ يأتي من بين خطط الإحتلال الإسرائيلي، إقمة منطقة جديدة لدفع سُكّان رفح ومن فيها من المهاجرين، للنّزوح إليها.

وفي هدا لسّياق، تعمل إسرائيل وفق ما أفادت إذاعة جيش الإحتلال، اليوم الأربعاء، على توسيع المناطق “الإنسانية”، على حد وصفها، من أجل إجلاء سكّان رفح، في حال صدرت الأوامر لهجوم برّي عليها. كما أوضحت أنّ إسرائيل ستعلن، قريباً، عن منطقة جديدة في القطاع على أنّها “منطقة آمنة”، في ظل الضّغوط الممارسة عليها من قبل الولايات المتّحدة ودول أخرى، بأن اِجتياح رفح يجب أن ترافقه خطوات كبيرة لعدم المس بالمدنيّين، أو الحد من المساس بهم، بأقل قدر ممكن، جرّاء الهجوم العسكري الإسرائيلي المُحتمل.

ويُتوقّع أن تكون المنطقة التي قد يُعلن عنها، أشبه بمنطقة المواصي، التي أعلن جيش الإحتلال عنها في بداية الحرب، والتي تقول الإذاعة إنّها لم تُعد كافية لإستيعاب مئات آلاف النّازحين، ولذلك ستعلن إسرائيل الآن عن هذه المنطقة الجديدة، التي تُقام في وسط القطاع، جنوبي وادي غزّة وشمالي مخيّمات الوسط، وعلى مقربة من محور نتساريم، الذي يُسيطر عليه جيش الإحتلال ويقسِم القطاع إلى قسميْن.

ويصبو الإحتلال الإسرائيلي، من خلال خلق شرخ بالقطاع، إلى منع عودة سكّان غزّة إلى الشّمال. كما تزعم إسرائيل أنّ الغزيّين الذين ستدفعهم للنّزوح إلى المنطقة الجديدة، سيكونون آمنين أكثر هناك. ولن يقف الأمر عند إقامة منطقة “آمنة” جديدة، وإنّما تعمل إسرائيل أيضاً على توسيع المنطقة “الآمنة” في المواصي، شرقي خانيونس وجنوبي دير البلح.

ولا يخلو المشهد الإسرائيلي من التّعقيد، بشأن اِتّخاذ قرار والحسم بين اِجتياح رفح أو التّوصّل إلى صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النّار مع حركة حماس، وإن كان رئيس حكومة الإحتلال، بنيامين نتنياهو، قد قال أمس الثلاثاء، إنّ “فكرة إنهاء الحرب قبل تحقيق جميع أهدافها غير واردة في الحسبان. سندخل إلى رفح ونقضي على كتائب حماس هناك بصفقة أو بدون صفقة، من أجل تحقيق النصر المطلق”.

وتدفع عوامل وقوى باتّجاه التّوصّل إلى صفقة، بينما توجد عوامل ومصالح وقوى أخرى تدفع باتّجاه الإستمرار في الحرب واِجتياح رفح. ومنها ما هو مرتبط بالسّياسيّة الدّاخليّة، والإعتبارات العسكريّة الإستراتيجيّة، والحسابات الدّبلوماسيّة، ومنها صورة ومكانة إسرائيل الدّوليّة.

وفيما تستمر المجازر، التي يرتكبها الإحتلال في مجموعة من المناطق في قطاع غزّة، تحاول دولة الإحتلال من خلال هذه الخطوات، ترويج نفسها على أنّها تأبه لحياة الفلسطينيّين في القطاع، بالرغم من اِرتفاع حصيلة عدوانها عليه منذ السّابع من أكتوبر الماضي، وحتّى اليوم، إلى 34568 شهيداً و77765 إصابة، جُلُّهم من الأطفال والنّساء، وفق معطيات وزارة الصحّة في القطاع.

ورغم ما تدّعيه إسرائيل، أنّ بالقطاع أماكن آمنة، أثبتت قُرابة سبعة شهور من الحرب المُستمرّة حتّى الآن، أنّه لا وجود لأماكن آمنة في غزّة.