تشهد السّاحة الإسرائيليّة ظاهرة آخذة في الاتّساع، ويتعلّق الأمر بموجات هجرة عكسيّة ليهود من أصول مغربيّة، اختاروا مغادرة إسرائيل والاستقرار في المغرب، بحثًا عن استقرار نفسي، وحنين دفين، وهروب من واقع اجتماعي مضطرب.
هذا ما كشف عنه روبورتاج مطوّل لصحيفة يديعوت أحرونوت، تناول فيه تحوّل هذه الظّاهرة من حالات فرديّة معزولة إلى حركة مستمرّة ومتنامية، خاصّةً منذ توقيع اتّفاقيات التّطبيع بين الرباط وتل أبيب في أواخر 2020، حيث بدأت ترتسم ملامح تيّار جديد من العودة “الهادئة” إلى أرض الأجداد.
الصّحيفة العبريّة نقلت شهادات متقاطعة لمهاجرين شباب، وُلدوا ونشؤوا في إسرائيل، واختاروا المغرب كمكان جديد للحياة، ليس فقط بدافع الارتباط الثّقافي، بل أيضًا بسبب الإحساس بالتّهميش والتّمييز الذي عانوه داخل مجتمعهم الأصلي، لا سيما في مناطق “بلدات التّطوير” التي وُجه إليها اليهود من أصول مغاربيّة في العقود الماضية.
ضمن الشّهادات، تروي نيطاع حزان لحظة حصولها على بطاقة الهويّة المغربيّة في الرباط، بوصفها “تتويجًا لحلم شخصي” طال انتظاره، فيما يُشير آخرون إلى أنّ خيار العودة لم يكن سهلًا في ظل التّعقيدات الإداريّة المرتبطة باستعادة الجنسيّة، خاصّةً بعد استغلال بعض المطلوبين ثغرات قانونيّة للحصول على وثائق مغربيّة.
الصّحيفة أوضحت أنّ موجة العودة هذه لم تعد تقتصر على المواطنين العاديّين، بل تشمل فنّانين، أكاديميّين، رجال أعمال، وفكاهيّين، بعضهم اختار الاستقرار بشكل دائم في مدن مثل مراكش وفاس والرباط، وآخرون يعيشون بنمط مزدوج بين المغرب وتل أبيب.
غير أنّ هذا المسار لم يكن دون عوائق؛ إذ تسبّبت الحرب في غزّة وتداعياتها في خلق توتّرات محدودة داخل المغرب تجاه حاملي الجنسيّة الإسرائيليّة، رغم استمرار حضور مشاعر الاحترام والاعتزاز المتبادل بتاريخ اليهود المغاربة داخل النّسيج المجتمعي.
في هذا السّياق، نقل الروبورتاج قصّة الكوميدي فني بيرتس، الذي يعيش في مراكش، مؤكّداً أنّه يشعر بالأمان رغم مضايقات عرضيّة واجهها، كرفض بعض الفنّانين التّعاون معه بسبب مواقفه السّياسيّة. أمّا الباحث يونا ألفاسي، الذي غادر فاس منذ عقود، فيؤكّد أنّ “تصاعد الإقبال على تعلّم الدّارجة داخل إسرائيل” يعكس رغبة عميقة في استعادة الهويّة المغاربيّة التي همّشها الزّمن.
وبين الحنين الثّقافي، وأحلام العودة، وتعقيدات الواقع السّياسي، تبقى هذه الظّاهرة مرآة لتحوّلات أعمق تعيشها أجيال من يهود المغرب في إسرائيل، ممّن بدأوا يعيدون رسم خريطة انتمائهم، خارج المعادلات التّقليديّة.