أعلنت السّلطات الجزائريّة عن إعفاء سفيرها في بيروت، كمال بوشامة، من مهامه، وذلك عقب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها خلال نشاط ثقافي في لبنان، وُصفت بأنّها تحمل إساءات مباشرة للرّئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من قبيل “راعي البقر” و”المعتوه”.
وجاءت هذه التّصريحات في سياق مداخلة للسّفير خلال مؤتمر نظّمته السّفارة الجزائريّة بالتّعاون مع اتّحاد الكتّاب اللّبنانيين، تحت عنوان: “لبنان والجزائر: تاريخ مشرق وحاضر مضيء”، قبل أن تنتشر بشكل واسع عبر مواقع التّواصل الاجتماعي، وتثير ردود فعل داخليّة ودولية.
وبحسب تقارير إعلاميّة جزائريّة، فإنّ القرار الرّسمي بإعفاء السّفير جاء بدعوى أنّ تصريحاته “تتنافى مع الأعراف الدّبلوماسية ومع المبادئ التي تؤطّر السّياسة الخارجيّة للجزائر”، في خطوة رأى فيها مراقبون محاولة استباقية لاحتواء أي توتّر محتمل مع واشنطن.
ويأتي هذا التّطوّر في سياق سياسي حسّاس، إذ تتزامن الخطوة مع جهود حثيثة تبذلها الجزائر لإعادة ترميم علاقاتها مع الولايات المتّحدة، خاصّةً بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في ظل تخوّفات سابقة من عقوبات أمريكيّة بسبب التّعاون العسكري الجزائري مع روسيا.
ويُذكر أنّ ماركو روبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، كان قد دعا، في وقتٍ سابق خلال فترة عمله في مجلس الشّيوخ، إلى فرض عقوبات على الجزائر على خلفيّة صفقاتها الدّفاعية مع موسكو، وهو ما خلّف قلقاً كبيراً لدى صنّاع القرار في الجزائر آنذاك.
وفي مؤشّر على رغبة الجزائر في فتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكيّة، أدلى السّفير الجزائري في واشنطن، صبري بوقادوم، مؤخّرًا بتصريحات عبّر فيها عن “استعداد بلاده الكامل للتّعاون مع الولايات المتّحدة”، مؤكّداً أنّ هذا التّعاون “لا سقف له”.
وفي السّياق نفسه، أحرزت الجزائر تقدّمًا في مفاوضات متقدّمة مع شركتيْ الطّاقة الأمريكيّتيْن العملاقتيْن “إكسون موبيل” و”شيفرون”، تمهيدًا لإبرام اتّفاق تاريخي لاستغلال احتياطات الغاز في البلاد، بما في ذلك الغاز الصّخري، في خطوة غير مسبوقة على مستوى قطاع الطّاقة الجزائري.
ووفق ما نقلته مجلة “بلومبيرغ” المتخصّصة، فقد أكّد رئيس هيئة تنظيم الطّاقة الجزائريّة، سمير بختي، أنّ الجوانب الفنيّة للاتّفاق تمّ التّوصّل إليها بشكل كبير، بينما لا تزال الجوانب التّجارية قيد التّفاوض، مع توقّعات بحسمها في وقتٍ قريب.
وتعوّل الجزائر على هذه الاتّفاقات لدعم قطاعها الطّاقي، الذي يمثّل العمود الفقري لصادراتها وإيراداتها الوطنيّة، إذ يشكّل أكثر من 75% من صادرات البلاد.
ويرى محلّلون أنّ الإعفاء السّريع للسّفير بوشامة يأتي في هذا الإطار الاستراتيجي الأوسع، كإشارة سياسيّة إلى واشنطن بأنّ الجزائر جادّة في إعادة ضبط علاقتها مع الإدارة الأمريكيّة، وتجاوز ما قد يُنظر إليه كمواقف فرديّة لا تعكس الموقف الرّسمي للدّولة.