كشف وزير الدّاخلية الفرنسي، لوران نونيز، أنّ الإفراج عن الكاتب الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال لم يكن مرتبطًا بالتّغييرات السّياسية الأخيرة في باريس، بل جاء نتيجة تغيير عميق في طريقة تعامل فرنسا مع الجزائر. وأوضح نونيز، في حوار مع صحيفة La Tribune De Dimanche، أنّ بلاده أنهت مرحلة القطيعة بعدما ثبت أنّ سياسة التّشدّد لم تُحرّك الملفّات الثّنائية الحسّاسة، وفي مقدّمتها التّعاون الأمني والهجرة.

وأشار الوزير إلى أنّ الحكومة الفرنسيّة تبنّت مقاربة تقوم على استعادة الحوار مع الجزائر رغم المناخ السّياسي الدّاخلي، الذي يدفع فيه 65 في المائة من الفرنسيّين نحو إنهاء اتّفاق الهجرة المبرم عام 1968. واعتبر أنّ القطيعة لم تكن خَيارًا عمليًا، لاسيما في ظل التّراجع الواضح في التّنسيق الأمني بين البلدين خلال الأشهر الماضية.

وأضاف نونيز أنّ قرار العفو الصّادر عن الجزائر بشأن صنصال حمل طابعًا إنسانيًا، لكنّه شكّل أيضًا فرصة لإعادة بناء الثّقة. وأبرز أنّ تدخّل الرئيس إيمانويل ماكرون كان عنصرًا حاسمًا في تحقيق هذا الانفراج، مع الإشارة إلى أنّ ألمانيا لعبت دور وسيط “مساعد” في المسار، دون أن تكون طرفًا مقرّرًا.

وتحدّث الوزير بنبرة غير معهودة في الخطاب الرّسمي الفرنسي عن علاقته الشّخصيّة بالجزائر، مبرزًا أنّه يجد فيها استقبالًا إيجابيًا بحكم جذوره المرتبطة بـ”الأقدام السوداء” (تسمية تطلق على المستوطنين الفرنسيّين الذين ولدوا أو عاشوا في الجزائر مابين 1830 و1962)، بالإضافة إلى خبرته الطّويلة في الملفّات الأمنيّة المشتركة. واعتبر أنّ هذه الخلفيّة ساعدته في فتح قنوات تواصل مباشرة أسهمت في تليين الأجواء السّياسية وإعادة الثّقة.

وأعلن نونيز أنّ زيارته المرتقبة إلى الجزائر ستتم في شهر دجنبر المقبل بناءً على دعوة رسميّة من نظيره الجزائري، معتبرًا أنّ الزّيارة “محورية” لإعادة تفعيل الملفّات التي تعطّلت خلال فترة التّوتّر. وأكّد أنّ باريس تطالب الجزائر بإعادة 30 شخصًا “يمثّلون خطورة كبيرة”، في وقت يشكّل الجزائريون 40 في المائة من المحتجزين في مراكز الاحتجاز الإداري بفرنسا، ما يجعل ملف الهجرة ضمن الأولويّات العاجلة.

وفي تصريحات سابقة لصحيفة لوباريزيان، شدّد نونيز على أنّ سياسة “الذراع الحديدية” التي اعتمدها سلفه لم تؤدِّ إلى أي نتائج ملموسة، معتبرًا أنّ الخطابات المتشدّدة لبعض الفاعلين السّياسيين في فرنسا لا تستند إلى قراءة عملية للواقع.

ورحّبت باريس في وقتٍ سابق بقرار الجزائر منح عفو خاص لصنصال، واعتبرت الخطوة مؤشّرًا إيجابيًا يمكن أن يساهم في تخفيف التّوتّر الذي طبع العلاقات بين البلدين. ومن مدينة تولوز، وصف الرّئيس ماكرون القرار بـ”نجاح الدّبلوماسية الهادئة”، مشيرًا إلى شكره للرّئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير على دور الوساطة الذي ساهم في هذا التّقدّم.

وبحسب بيان لرئاسة الجمهورية الجزائريّة، جاء العفو بناءً على طلب رسمي وجّهه الرّئيس الألماني في 10 نونبر 2025، مراعاةً للحالة الصحيّة الحرجة لصنصال وسنّه المتقدّم، مع تأكيد التزام ألمانيا بتأمين علاجه في إطار تعاون إنساني.

ويُعد بوعلام صنصال، البالغ من العمر 80 عامًا، أحد أبرز الكتّاب الجزائريّين المعروفين بمواقفهم النّقديّة، وقد أُدين بخمس سنوات سجنًا بتُهم تتعلّق بـ”المساس بوحدة الوطن” و”تهديد أمن الدّولة” عقب تصريحاته المثيرة للجدل لقناة فرنسيّة حول ملفّات تاريخية حسّاسة.

وتتقاطع هذه التّطوّرات مع مؤشّرات سياسيّة، على انفتاح متبادل بين باريس والجزائر بعد أشهر من التّوتّر. فقد أكّد المدير العام للاستخبارات الخارجيّة الفرنسيّة، نيكولا ليرنر، أنّ أجهزة بلاده رصدت “إشارات إيجابية” من الجانب الجزائري تعكس رغبةً في استئناف الحوار.

غير أنّ استمرار احتجاز الصّحافي الفرنسي كريستوف غيليز منذ ماي 2024 في “تيزي وزو” يظل من الملفّات التي تعقّد مسار إعادة الدّفء للعلاقات، إلى جانب قضايا أخرى، من بينها قرار الجمعيّة الوطنية الفرنسيّة إلغاء اتّفاقية 1968 المتعلّقة بتنقّل وإقامة الجزائريّين، وهو قرار تعتبره الجزائر مساسًا بروح الشّراكة التّاريخية.

ورغم “البعد الإنساني” للعفو عن صنصال، يبقى مستقبل العلاقات رهينًا بقدرة الطّرفين على معالجة الملفّات السّياسية والحقوقية المؤجّلة، في سياق داخلي وخارجي يتّسم بحساسية غير مسبوقة.