في سياق التّقلبات الجيوسياسيّة المتسارعة بمنطقة شمال إفريقيا، أكّد معهد أبحاث الهجرة الدّولي، في أحدث تقاريره الصّادرة بتاريخ 24 يونيو 2025، أنّ المغرب بات يحظى بدور مركزي في إعادة رسم ملامح التّوازنات الإقليميّة، مرجّحًا أن تلتحق كل من الصّين وروسيا قريبًا بركب القوى الدّوليّة المؤيّدة لمبادرة الحكم الذّاتي التي تقترحها الرباط لحلّ نزاع الصّحراء.

وتحت عنوان “المغرب على مفترق طرق”، أوضح التّقرير أنّ المملكة تُمثّل نقطة استقرار محوريّة في محيطها المغاربي، بالرّغم من التّوتّرات القائمة مع الجزائر، وهو ما جعلها تحظى بدعم سياسي غير مشروط من الولايات المتّحدة، خصوصاً في ظل التّنافس الدّولي على الموارد ومواقع النّفوذ بالقارّة الإفريقيّة.

وأشار المعهد إلى أنّ كلًّا من بكين وموسكو تتابعان باهتمام بالغ خطوات المغرب التّنمويّة في أقاليمه الجنوبيّة، معتبرًا أنّ إعلان دعمهما العلني لمقترح الحكم الذّاتي بات مسألة وقت، وهو ما قد يكرّس انعطافة حاسمة في المواقف داخل مجلس الأمن الدّولي.

وفيما يخص العلاقات الاقتصاديّة، رصد التّقرير طفرة في الشّراكات الاستراتيجيّة بين المغرب وقوى اقتصاديّة كبرى، لاسيما في مجالات الطّاقات المتجدّدة وسلسلة إنتاج البطّاريات، مستفيدًا من امتلاكه لأكبر احتياطي عالمي من الفوسفات. واستدل في هذا السّياق باستثمارات ضخمة، منها مشروع شركة CNGR الصّينيّة لبناء مصنع للكاثودات بقيمة تفوق ملياريْ دولار، مخصّص للتّصدير نحو أوروبا وأمريكا، فضلًا عن تحالف يجمع LG الكوريّة وHuayou الصّينيّة لتشييد وحدة صناعيّة مماثلة في المملكة.

كما أبرز التّقرير التّطوّر النّوعي في القطاع البنكي المغربي، حيث أضحت ثلاث مؤسّسات ماليّة مغربيّة ضمن أقوى عشر بنوك على مستوى القارّة، بأصول تتجاوز 90 مليار دولار وانتشار يمتد لـ22 دولة، بفضل إصلاحات هيكليّة مستمرّة منذ تسعينيات القرن الماضي.

على المستوى السّياسي، شدّد التّقرير على أنّ الاعتراف الأمريكي بمغربيّة الصّحراء سنة 2020 شكّل نقطة تحول استراتيجيّة، تبعتها فرنسا في صيف 2024، ثمّ المملكة المتّحدة في ماي 2025، فيما لا تزال الصّين وروسيا تدرسان بلورة موقفيْهما بشكل رسمي، وهو ما وصفه التّقرير بـ”القفل الدّبلوماسي الأخير” داخل أروقة مجلس الأمن.

وسلّط التّقرير الضّوء على مؤشّرات اقتصاديّة ذات طابع سيادي، منها إعلان مؤسّسة “بروباركو” الفرنسيّة استعدادها للمساهمة في مشروع ربط كهربائي استراتيجي بين الداخلة والدار البيضاء، وكذا مشاركتها في إنجاز أنبوب الغاز المغربي الأوروبّي، ما يعكس تحوّل الصّحراء إلى وجهة استثماريّة عالميّة ذات رهانات بعيدة المدى.

وختم التّقرير بالإشارة إلى أنّ المقارنة بين مؤشّرات الاستقرار في المغرب، وكل من الجزائر وتونس، تُظهر تفوّق المملكة على مستوى البيئة القانونيّة والتّنظيميّة لجذب الاستثمار، فضلًا عن أدوارها الحيويّة في تدبير ملفّات الهجرة والتّعاون الأمني، وهو ما يعزّز موقعها كشريك مفضّل للغرب والشّرق في آنٍ معًا.