في مشهد جديد يحمل الكثير من الرّمزيّة، بدأت ملامح انفتاح تدريجي بين المغرب وسوريا تتشكّل بعد سنوات من القطيعة الدّبلوماسيّة، غير أنّ الرباط، هذه المرة، لا تُساير الانفراجات بنوايا طيبة فقط، بل تشترط مواقف صريحة من دمشق بشأن ملف الصّحراء المغربيّة.
قرار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، خلال قمّة بغداد الأخيرة بإعادة فتح سفارة المملكة في دمشق، شكّل أوّل مؤشّر رسمي نحو كسر الجمود، وقد نقله وزير الخارجيّة ناصر بوريطة باسم الملك، مُوجّهًا رسالة واضحة إلى القيادة السّوريّة الجديدة بأنّ الانفتاح مُمكن.. لكن على أساس الالتزام بالثّوابت السّياديّة للمغرب.
ردّ فعل دمشق لم يتأخّر كثيرًا، حيث أرسلت وفدًا تقنيًّا إلى الرباط لتفقّد مبنى السّفارة السّوريّة المغلقة منذ 2012، وهي خطوة وصفتها مصادر دبلوماسيّة بأنّها ذات طابع تحضيري لإعادة العلاقات، لكن دون أن تتبعها بوادر حقيقيّة لموقف سياسي واضح من قضيّة الصّحراء.
الرباط بدورها فضّلت التّريث، لا إعلان عن تبادل السّفراء، ولا ردّ على رغبة دمشق في ترتيب زيارة للرّئيس أحمد الشرع إلى المغرب. وفق مصادر متطابقة، فإنّ المغرب ربط أي تطبيع شامل مع سوريا باعتراف صريح ومكتوب بمغربيّة الصّحراء، وهو شرط بات قاعدة ثابتة في علاقات الرباط الخارجيّة، خاصّةً مع الدّول التي كانت لها مواقف ضبابيّة أو منحازة للطّرح الانفصالي.
وفي محاولة لبعث رسائل حُسن نيّة، أعلنت دمشق – وفق مصادر إعلاميّة – عن قرار إغلاق مكتب جبهة البوليساريو على أراضيها، إلّا أنّ هذه الخطوة لم تخلُ من الجدل، إذ تؤكّد المعطيات أنّ هذا المكتب كان قد توقّف عن أي نشاط فعلي منذ سنوات، ممّا يجعل الإعلان أقرب إلى إعادة تكييف موقف قديم في ظرف دبلوماسي جديد.
ورغم هذه التّحرّكات، لم يَصدُر عن المغرب أي رد رسمي، ممّا يعكس تمسّك الرباط بتجاوز الخطاب الرّمزي نحو خطوات ملموسة. الباحث في العلاقات الدّوليّة، سعيد رزيق، أوضح أنّ المغرب يفاوض من موقع سيادي، ويرى في الاعتراف بمغربيّة الصّحراء مفتاحًا لأي صفحة جديدة مع دمشق، وليس مجرّد “بادرة حسن نيّة”.
ويضيف أنّ قرار الملك بإعادة فتح السّفارة لا يعني الضّوء الأخضر المطلق، بل هو اختبار لنوايا سوريا، التي لم تُدلِ إلى الآن بأي موقف رسمي بشأن الاعتراف بالصّحراء، ولم تردّ على استفسارات صحفيّة حول توقيت زيارة الرّئيس السّوري للمغرب، وهو ما يعزّز فرضيّة أنّ دمشق ما زالت تراهن على الغموض الاستراتيجي.
في ظل هذا السّياق، يبدو أنّ الرباط ليست على عجلة من أمرها، وأنّ العلاقات مع دمشق لن تُستأنف بالكامل ما لم تُترجم الأقوال إلى أفعال، وما لم تخرج سوريا من دائرة المواقف الملتبسة، لتُعلن بوضوح عن تموقعها الحقيقي إزّاء القضيّة الوطنيّة الأولى للمغرب.