تتّجه الأنظار إلى نيويورك حيث يعقد مجلس الأمن الدّولي جلسة وُصفت بأنّها الأهم منذ سنوات في مسار قضيّة الصّحراء المغربيّة، إذ يُنتظر أن يصوّت خلال السّاعات المقبلة على مشروع قرار جديد يحمل بصمة الولايات المتّحدة، باعتبارها صاحبة القلم في هذا الملف، ويدعو إلى تمديد ولاية بعثة المينورسو لثلاثة أشهر، في وقتٍ تتّجه فيه لغة الأمم المتّحدة نحو الاعتراف المتزايد بـ”واقعية ومصداقية” مقترح الحكم الذّاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007.

التّحوّل اللّافت في الصّياغة الأممية الجديدة، يُجسّد انتقالاً من خطاب “تقرير المصير” إلى مقاربة أكثر واقعيّة تعتبر الحكم الذّاتي قاعدة للحلّ السّياسي الدّائم. فالمسودّة الأمريكية، بحسب مصادر دبلوماسية، جاءت بتوازن محسوب بين دعم المسار الذي يقوده المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، وتثبيت المبادرة المغربيّة كمرجعيّة أممية متقدّمة.

إلى جانب واشنطن، يقف التّحالف الغربي التّقليدي داعمًا للموقف المغربي، بعد أن أعلنت فرنسا رسميًّا اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبيّة، ولحقت بها بريطانيا التي وصفت الحكم الذّاتي بأنّه “الخَيار الأكثر واقعيّة وقابليّة للتّطبيق”. في المقابل، تميل روسيا والصين إلى الحياد الإيجابي عبر الامتناع عن التّصويت دون عرقلته، فيما يعكس مواقف الدّول غير الدّائمة خريطة النّفوذ الجديدة للمغرب داخل القارّة الإفريقيّة وأمريكا اللّاتينيّة، حيث عبّرت سيراليون والصومال وسلوفينيا وكوريا الجنوبية وبنما عن دعم صريح للمبادرة المغربيّة، بينما يُتوقّع أن تمتنع الجزائر عن التّصويت تفاديًا لعزلة سياسية داخل المجلس.

ويرى مراقبون أنّ القرار سيمرّ بأغلبية مريحة تصل إلى 13 صوتًا من أصل 15، ما يُعدّ انتصارًا دبلوماسيًا جديدًا للمغرب دون الحاجة إلى معركة فيتو أو صراع سياسي مفتوح.

ويؤكّد خبراء أنّ الرباط لم تعد اليوم في موقع الدّفاع، بل في موقع الفعل وتثبيت المكتسبات، بعد أن كثّف وزير الخارجيّة ناصر بوريطة نشاطه خلال الأسابيع الأخيرة في عواصم أوروبيّة وآسيوية لضمان شبكة دعم متينة لمقترح الحكم الذّاتي. وجاء انضمام بلجيكا مؤخّرًا إلى قائمة الدّول الدّاعمة ليعزّز موقع المغرب إلى جانب كل من واشنطن وباريس ومدريد وبرلين، ما جعل المبادرة المغربيّة تحظى بإجماع واسع داخل الغرب السّياسي.

في المقابل، تعيش جبهة البوليساريو وضعًا دبلوماسيًا هشًّا وغير مسبوق داخل المنظومة الأممية، بعد أن فقدت دعم عشرات الدّول الإفريقيّة واللّاتينيّة التي كانت تعتبرها “حركة تحرّر”، في حين تواجه الجزائر، الدّاعم الأساسي لها، ضغوطًا متزايدة داخل المجلس بسبب تشدّد خطابها وغياب رؤية تفاوضية بديلة.

المشروع الأمريكي الجديد يُعدّ، وفق محلّلين، منعطفًا سياسيًّا حاسمًا، إذ يتحدّث لأوّل مرّة عن “دعم قوي لمبادرات الحكم الذّاتي كسبيل واقعي ومتوافق مع مبادئ الأمم المتّحدة”، وهي صيغة تقترب من الاعتراف السّياسي الكامل بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وتتوقّع مصادر دبلوماسية أن يؤدّي اعتماد القرار إلى تحوّل دور بعثة المينورسو من مهمّة تنظيم “استفتاء” غير واقعي إلى مهمّة مواكبة الحكم الذّاتي وتعزيز الاستقرار والتّنمية في المنطقة، بما ينسجم مع الرّؤية المغربيّة التي جعلت من العيون والداخلة مركزيْن للتّنمية والاستثمار واحتضان القنصليّات الأجنبية.

وفي المرحلة اللّاحقة، يُرتقب أن يتحرّك المغرب ضمن ثلاثة مسارات متوازية:

المسار الدّبلوماسي والسّياسي لتثبيت هذا التّحول الأممي داخل مؤسّسات الأمم المتّحدة وبناء كتلة دعم دائمة.

المسار التّنموي والاقتصادي عبر تسريع المشاريع الكبرى في الأقاليم الجنوبية لتعزيز نموذج الحكم الذّاتي ميدانيًا.

المسار المؤسّساتي والبرلماني من خلال توسيع الدّبلوماسية البرلمانية وشبكات الصّداقة لتكريس الاعتراف الدّولي بمغربيّة الصّحراء.

بهذا، تدخل القضيّة اليوم مرحلة جديدة قوامها الانتقال من منطق النّزاع إلى منطق الحلّ الواقعي تحت السّيادة المغربيّة، في لحظة تُعتبر تتويجًا لسنوات من العمل الدّبلوماسي الهادئ والممنهج، الذي غيّر موازين الخطاب داخل مجلس الأمن لصالح المغرب.