أكّد وزير الشّؤون الخارجيّة والتّعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أنّ سنة 2026 ستشكّل منعطفاً مهمًّا في مسار الشّراكة بين المغرب وموريتانيا، معلناً أنّ الدّورة التّاسعة للّجنة العليا المشتركة ستلتئم في نواكشوط قبل نهاية العام. ويأتي هذا الموعد ليعكس إرادة سياسية متبادلة لتعزيز تعاون طويل الأمد يستجيب للتّحوّلات الإقليمية المتسارعة.
وجاءت تصريحات الوزير خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعيّة لوزارة الخارجيّة أمام لجنة الخارجيّة والدّفاع الوطني والشّؤون الإسلامية وشؤون الهجرة بمجلس النّواب، حيث توقّف عند التّطوّرات المرتبطة بقضيّة الصّحراء عقب صدور قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797، وما أفرزه من دينامية جديدة حول مسار التّسوية.
كما أشار بوريطة إلى المبادرة الملكية الدّاعية إلى فتح حوار مباشر مع الجزائر، رغم غياب العلاقات الدّبلوماسية، معتبراً أنّها خطوة تعبّر عن رغبة مغربية واضحة في خفض مستويات التّوتّر، وإعادة بناء جو من الثّقة في المنطقة.
ويتقاطع تحضير انعقاد اللّجنة العليا المشتركة مع الزّخم الذي أحدثه القرار الأممي 2797، والذي اعتبر المبادرة المغربية للحكم الذّاتي المقترح عام 2007 الإطار الأكثر واقعيّة للتّسوية، ما أعاد توجيه النّقاش الدّولي من جدل حول نوع الحل إلى التّركيز على كيفيّة تفعيله عملياً. وفي هذا الإطار، شدّد بوريطة على أنّ القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتّحدة، تدعم بقوّة هذا المسار باعتباره الطّريق الأكثر قابليّة للتّحقّق.
وفي المقابل، يجد الموقف الموريتاني نفسه أمام لحظة دقيقة. فخَيار “الحياد الإيجابي” الذي تبنّته نواكشوط لسنوات يواجه اختباراً جديداً بعد صدور القرار الأممي، إذ اختارت موريتانيا التزام الصّمت الرّسمي، في خطوة تعكس رغبتها في التّريّث قبل اتّخاذ مواقف قد تُفسَّر كتحوّل في اتّجاه أحد أطراف النّزاع.
ورغم هذا الحذر، يفتح السّياق الحالي المجال أمام البلديْن لبناء رؤية مشتركة تتجاوز حدود التّنسيق التّقليدي. ويبرز ضمن هذه الرّؤية مشروع معبر أمغالا الحدودي الجديد، الذي بلغت أشغاله مراحل متقدّمة، باعتباره ورقة استراتيجية لإعادة تشكيل شبكات المبادلات التّجارية واللّوجستية في المنطقة. فالمحور الرّابط بين السمارة وبئر أم اغرين لن يوفّر فقط مساراً بديلاً لمعبر الكركرات، بل سيتيح أيضاً فرصاً اقتصاديةَ واعدة للبلديْن، ويعزّز تنمية المناطق الحدودية.
ويمثّل هذا الرّبط الطّرقي عاملاً إضافياً لدعم مسار التّقارب المغربي–الموريتاني، خاصّةً في ظل المتغيّرات التي قد تدفع نواكشوط إلى مقاربة أوضح تجاه ملف الصّحراء، بما ينسجم مع مصالحها الجيو–اقتصادية.
وقد عبّرت عدّة جهات سياسية موريتانية عن ارتياحها لقرار مجلس الأمن، معتبرةً أنّه يمهّد لحل قائم على مقترح الحكم الذّاتي. ومن بين هذه الأصوات، موقف رئيسة حزب “نماء” زينب التقي، التي رأت أنّ القرار يتيح للدّول المغاربية فرصة للتّفرّغ للتّنمية، معتبرةً أنّ حل الحكم الذّاتي هو الصّيغة الأكثر عقلانية لإنهاء حالة الجمود.
ورغم تمسّك موريتانيا رسميًّا بموقف الحياد، فإنّ العديد من المراقبين يرون أنّ استقرار منطقة الصّحراء يخدم مصالحها المباشرة، لاسيما في ظل ارتباطها الكبير بالمنتجات الفلاحية المغربية. وقد برز ذلك بوضوح في اضطرابات 2020، حين أدّى إغلاق معبر الكركرات من طرف ميليشيات البوليساريو إلى اضطراب إمدادات الأسواق الموريتانية، قبل أن يستعيد المغرب السّيطرة على المعبر ويؤمّن حركة العبور.








