في خطاب استثنائي وجّهه إلى الشّعب المغربي مساء اليوم الجمعة، عبّر صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده عن ترحيبه بقرار مجلس الأمن الدّولي القاضي باعتماد مبادرة الحكم الذّاتي تحت السّيادة المغربيّة، كأساس للتّفاوض من أجل حل سياسي نهائي لقضيّة الصّحراء المغربيّة.
وأكّد جلالته في خطابه السّامي أنّ المغرب، “بعد خمسين سنة من التّضحيات، يبدأ بعون الله وتوفيقه فتحًا جديدًا في مسار ترسيخ مغربية الصحراء والطيّ النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حلّ توافقي قائم على مبادرة الحكم الذّاتي”.
وأضاف الملك محمد السادس أنّ هذا التّحوّل التّاريخي يتزامن مع الذّكرى الخمسين للمسيرة الخضراء والذّكرى السّبعين لاستقلال المملكة، معتبرًا أنّ هذا التّزامن “يمنح اللّحظة رمزية وطنية عميقة تؤكّد وحدة المغرب وتلاحم مكوّناته”.
وقال جلالته مخاطبًا الشّعب المغربي: “نعيش اليوم مرحلة فاصلة ومنعطفًا حاسمًا في تاريخ المغرب الحديث، فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده”، مشيرًا إلى أنّ القرار الأممي الأخير يشكّل تتويجًا لمسار طويل من العمل الدّبلوماسي والرّؤية الاستراتيجية التي قادها المغرب بثبات خلال العقود الماضية.
كما جاء على لسان جلالة الملك في خطابه، التّأكيد على أنّ “وقت المغرب الموحّد من طنجة إلى الكويرة قد حان، ولن يُسمح لأي طرف بالتّطاول على حقوقه المشروعة أو حدوده التّاريخية”، مجدّدًا التّأكيد على تمسّك المملكة بثوابتها الوطنيّة ووحدتها التّرابية.
هذا، وأشار جلالته إلى أنّ الاعتراف بالسّيادة الاقتصادية للمغرب على أقاليمه الجنوبية عرف تزايدًا غير مسبوق، لافتًا إلى أنّ “ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع”.
وأضاف الملك أنّ قرارات القوى الاقتصادية الكبرى، مثل الولايات المتّحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إسبانيا والاتّحاد الأوروبي، في تشجيع الاستثمارات والمبادرات التّجارية بالأقاليم الجنوبية، تؤكّد رسوخ القناعة الدّولية بعدالة الموقف المغربي ومصداقيته، معتبرًا أنّ هذه الدّينامية “تؤهّل الأقاليم الجنوبية لتصبح قطبًا للتّنمية والاستقرار ومحورًا اقتصاديًا في محيطها الجهوي، بما في ذلك منطقة السّاحل والصّحراء”.
وأبرز جلالته أنّ المغرب يدخل اليوم مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث وضع القرار الأخير لمجلس الأمن الأسس والمرتكزات الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي في إطار السّيادة الوطنية، معلنًا أنّ المملكة ستعمل على تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذّاتي وتقديمها للأمم المتّحدة باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتّطبيق.
كما عبّر الملك محمد السادس عن شكره وتقديره للدّول التي دعمت هذا التّحوّل التّاريخي، وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكية بقيادة الرّئيس دونالد ترامب، إلى جانب بريطانيا وإسبانيا وفرنسا، والدّول العربيّة والإفريقيّة التي “ما فتئت تعبّر عن دعمها الدّائم واللاّمشروط لمغربيّة الصّحراء”.
ووجّه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نداءً مباشرًا إلى صحراويي مخيّمات تندوف من أجل الالتحاق بالأراضي المغربيّة، مؤكّداً حرص المملكة على إيجاد حل يضمن عدم وجود غالب أو مغلوب ويحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
وقال الملك: “رغم التّطوّرات الإيجابية، التي تعرفها قضيّة وحدتنا التّرابية، يبقى المغرب حريصًا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، فالمغرب لا يعتبر هذه التّحوّلات انتصارًا، ولا يستغلّها لتأجيج الصّراع والخلافات”.
وأضاف عاهل البلاد: “في هذا السّياق، نوجه نداءً صادقاً، لإخواننا في مخيّمات تندوف، لاغتنام هذه الفرصة التّاريخيّة، لجمع الشّمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذّاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحليّة، وفي تنمية وطنهم، وبناء مستقبلهم في إطار المغرب الموحّد”.
وأكّد الملك محمد السادس: “بصفتي ملك البلاد، الضّامن لحقوق وحريّات المواطنين، أؤكّد أنّ جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيّمات تندوف، وبين إخوانهم داخل أرض الوطن”.
ومن جهةٍ أخرى، وجّه الملك نداءً إلى الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبون، داعياً إلى “حوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثّقة، وروابط الأخوّة وحسن الجوار”.
وشدّد الملك على التزام المغرب بـ “مواصلة العمل من أجل إحياء الاتّحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل والتّعاون والتّكامل بين دوله الخمس”.




