في تطوّر دراماتيكي لأزمة الهجرة غير النّظاميّة في السّاحل الإفريقي، كشفت السّلطات النّيجريّة عن قيام الجزائر بترحيل أكثر من 16 ألف مهاجر إفريقي نحو شمال النّيجر خلال شهريْ أبريل وماي فقط، في واحدة من أكبر موجات الطّرد الجماعي المسجّلة منذ بداية العام 2024.

المعطيات التي أعلنتها الإدارة المحليّة في منطقة أرليت، شمال البلاد، أظهرت أنّ من بين المُرحّلين نساء وأطفالًا وقاصرين، وُضعوا في ظروف وُصفت من قبل منظّمات حقوقيّة بأنّها “مهينة ولا إنسانيّة”، في خرقٍ صارخ لقواعد القانون الدّولي.

وقد سجّل معبر أسامكة الحدودي، خلال يوميْ الأحد والإثنين فقط، استقبال 1,466 مهاجرًا موزّعين على دفعتيْن، أبرزها قافلة ضمّت 778 نيجريًّا بينهم أكثر من 200 طفل قاصر، تمّ نقلهم في شاحنات وسط غموض يلُف أوضاعهم الصحيّة والإنسانيّة.

وتتجاوز هذه الدّفعة وحدها، بحسب إحصاءات رسميّة، نصف مجموع المُرحّلين منذ بداية العام، والذي قُدّر بـ31 ألف شخص، ما يعكس تصعيدًا غير مسبوق في تعاطي الجزائر مع ملف الهجرة في سياق إقليمي يزداد توتّرًا.

وفيما تتحدّث نيامي عن “أعباء غير محتملة” ناتجة عن تدفّق المُرحّلين في مناطق هشّة لا تملك أدنى البنيات للإستقبال، أكّدت خطّتها الجديدة، بالتّعاون مع المنظّمة الدّوليّة للهجرة، على تسريع إعادة أكثر من 4,000 مهاجر إلى بلدانهم الأصليّة قبل نهاية يوليو، تجنّبًا لانفجار إنساني محتمل.

ورغم إنكار الجزائر لتُهم التّرحيل القسري، إلّا أنّ منظّمات كـ”Alarme Phone Sahara” وصحيفة “لوموند” الفرنسيّة نقلت شهادات ميدانيّة تفيد بأنّ عمليّات الطّرد تُنفّذ في ظروف قاسية، وصفها البعض بـ”الإنتهاك الممنهج لحقوق الإنسان”، وسط صمت إقليمي ودولي لافت.

ويرى مراقبون أنّ ترحيل المهاجرين بات يُستخدم كورقة ضغط من طرف الجزائر على الأنظمة العسكريّة الجديدة في دول السّاحل، خاصّةً النّيجر ومالي وبوركينا فاسو، في ظل تصدّع التّحالفات التّقليديّة وتراجع نفوذ الجزائر في المنطقة لصالح محاور جديدة.

ولم تعد أزمة الهجرة في السّاحل مجرّد ملف إنساني، بل تحوّلت إلى واجهة صراع جيوسياسي محتدِم، تتقاطع فيه حسابات الأمن والهجرة والطّاقة، في ظل انسداد أفق الحوار بين الجزائر وجيرانها الجنوبيّين، وغياب رؤية مشتركة تُجنّب المنطقة كارثة مزدوجة: إنسانيّة وأمنيّة.