يرى المركز الإفريقي للدّراسات الاستراتيجية والرّقمنة أنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 يأتي في سياق اقتصادي أكثر استقرارًا وانفتاحًا على فرص الإصلاح مقارنةً مع السّنة السّابقة، مشيرًا إلى أنّ المرحلة الجديدة تتّجه نحو تسريع التّحوّل الهيكلي والتّرابي وبناء ما وصفه بـ”الدّولة التّرابية”؛ دولة تخطّط للنّمو وتعيد توزيع التّنمية على أساس العدالة المجالية والإنصاف الاقتصادي.

وأوضح المركز، في ورقة تحليلية حول مشروع قانون المالية المغربي لسنة 2026 بين الطّموح ونجاعة التّنفيذ، أنّ السّياق الرّاهن تجاوز منطق تحقيق التّوازنات المالية التّقليدية إلى هندسة تنموية جديدة تقوم على دمج العدالة المجالية ضمن الرّؤية الشاملة للعدالة الاجتماعية، في انسجام مع التّوجيهات الملكية الواردة في خطابيْ 29 يوليوز و10 أكتوبر 2025، اللّذيْن شدّدا على جعل التّنمية التّرابية رافعةً أساسية للنّمو الوطني.

وأشار التّحليل إلى أنّ مقارنة مشروع قانون المالية لسنتيْ 2025 و2026 تكشف عن تحوّل واضح في المقاربة الحكومية، من التّركيز على ضبط التوّازنات الماكرو–اقتصادية إلى ترسيخ التّنمية التّرابية المندمجة، في إطار رؤية ملكية متجدّدة تعيد تعريف أولويّات المالية العمومية.

وبحسب ذات الورقة، يعتمد مشروع سنة 2026 على نفس الفرضيّات الماكرو–اقتصادية الأساسية المعتمدة في السّنة الماضية، مع تسجيل تحسّن طفيف في الأهداف المالية، إذ من المنتظر أن يبلغ معدّل النّمو 4.6%، مع تقليص عجز الميزانية إلى 3% من النّاتج الدّاخلي الخام، وتقدير محصول الحبوب في حدود 70 مليون قنطار، وسعر غاز البوتان عند 500 دولار للطّن، وهي مؤشّرات وصفها المركز بأنّها تعكس واقعية التّقديرات الحكومية واستمرارية النّهج المالي المتّزن.

وفي تحليلها لمضمون المشروع، اعتبرت الورقة أنّ الاختلاف الجوهري بين قانونيْ 2025 و2026 لا يكمن في الأرقام فقط، بل في فلسفة الإنفاق وتوجيه الموارد. فبينما ركّز مشروع 2025 على ترسيخ الدّولة الاجتماعية عبر دعم الفئات الهشّة وتمويل الإصلاحات الكبرى مثل التّأمين الإجباري عن المرض وتوسيع قاعدة المستفيدين، فإنّ مشروع 2026 يتّجه إلى تجسيد العدالة التّرابية من خلال تعميم السّجل الاجتماعي الموحّد واستهداف أكثر من أربعة ملايين أسرة بالدّعم المباشر، ورفع نسبة التّغطية الصحيّة إلى حوالي 88% من السكّان.

كما أبرز المركز أنّ المقارنة بين المشروعيْن توضّح تحوّل دور الدّولة من مموّل مباشر إلى فاعل محفّز للاستثمار والشّراكة، مذكّرًا بأنّ مشروع 2025 خصّص نحو 340 مليار درهم للاستثمارات العمومية مع هدف رفع مساهمة القطاع الخاص إلى الثّلثيْن في أفق 2035، فيما يذهب مشروع 2026 نحو تفعيل هذه الرّؤية عبر توسيع الشّراكات العمومية–الخصوصية وتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار كمؤسّسة مالية استراتيجية لتعبئة التّمويلات ودعم المشاريع الإنتاجية في مختلف الجهات.

وختم المركز تحليله بالإشارة إلى أنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 يؤسّس لجيل جديد من البرامج التّرابية المندمجة الموجّهة للمناطق الجبلية والواحاتية والسّاحلية والمراكز القروية النّاشئة، بما من شأنه خلق دينامية اقتصادية محليّة وتوزيع أكثر عدلاً للثّروة الوطنية، في انسجام مع النّموذج التّنموي الجديد ومتطلّبات الجهوية المتقدّمة.