يعكس التأخر الإسرائيلي بتقديم التهاني للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، حالة من الضبابية حيال مستقبل العلاقات ما بين واشنطن وتل أبيب في عهد الرئيس الديمقراطي الجديد.

ويشير تأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في تقديم التهاني والتبريكات للإدارة الجديدة بالبيت الأبيض إلى تحسب نتنياهو من السياسة التي سينتهجها بايدن تجاه القضية الفلسطينية والملف الإيراني.

وتجمع التقديرات الإسرائيلية على أن العلاقات بين أميركا وإسرائيل أعمق وأقوى من الخلافات بين نتنياهو وبايدن الذي يعتبر من التيار الأكثر دعما ونصرة لإسرائيل في الحزب الديمقراطي، حيث سيعيد الواجهة السياسية الأميركية التقليدية التي غيّبها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وهو الأمر الذي يربك نتنياهو.

وعلى الرغم من صورة الرئيس المنتخب الداعمة والمؤيدة لإسرائيل، فإن حكومة نتنياهو تتذكر جيدا ما وصفته بـ”الدور المهيمن” الذي لعبه بايدن وراء الكواليس في دفع قرار مجلس الأمن رقم 2334 ضد شرعية المستوطنات بتفويض من الرئيس السابق باراك أوباما.

وبادرت أميركا بذاتها لهذه الخطوة ولمشروع القرار في ديسمبر/كانون الأول 2016، عشية تنصيب دونالد ترامب كرئيس، حيث أقنع بايدن شخصيا العديد من القادة -بما في ذلك رئيس أوكرانيا- بدعم الاقتراح، مما تسبب في أزمة حادة في العلاقات بين تل أبيب وكييف.

وأعاد تأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عن تهنئة بايدن إلى الأذهان فتور العلاقات بين البلدين وخصومة نتنياهو مع الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب التباين بالمواقف بشأن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والمشروع النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية وحل الدولتين بموجب القرارات الدولية.

ويجمع محللون إسرائيليون على أن خسارة ترامب ومغادرته للبيت الأبيض ستشكل ضربة موجعة لنتنياهو واليمين المتطرف، لكنهم استبعدوا أن ينعكس ذلك سلبا على الدعم الأميركي لإسرائيل وتفوقها العسكري والأمني وحتى الدبلوماسي ومكانتها في الشرق الأوسط، في حين تباينت المواقف بشأن نهج ودبلوماسية بايدن تجاه ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والنووي الإيراني، وعلى الرغم من ذلك أجمعوا على أن إسرائيل تتحضر لعهد بايدن وستتوق لهدايا ترامب وانحيازه لها ودعمه الأعمى.

ومن غير المستبعد وفقا للمحللين الإسرائيليين أن تمارس الإدارة الجديدة بالبيت الأبيض ضغوطا على حكومة نتنياهو أو تفرض قيودا عليها سعيا للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية، وإعادة النظر بخطة ترامب للسلام بالشرق الأوسط والمعروفة بـ”صفقة القرن” مع تحديثها لضمان العودة لطاولة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

وعلى الرغم من ذلك، فإن تل أبيب تتوقع أن يتبنى بايدن سياسة التطبيع الإقليمي التي انتهجها ترامب تجاه إسرائيل، وسيحاول الاستفادة من زخم الاتفاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان، وسيعمل على تشجيع الدول العربية والإسلامية على مواصلة عملية التطبيع مع إسرائيل، لكنه في الوقت ذاته سيحاول تسخيرها لخلق زخم إيجابي لحل الدولتين ودمج الفلسطينيين في المفاوضات.

ويعتقد المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” إيتمار آيخنر، أن إسرائيل تتحضر لعودة الديمقراطيين وعهدة بايدن، لكنه يرجح أن دخول بايدن إلى البيت الأبيض لن يؤدي بالضرورة إلى العودة إلى أيام الصراع في عهد أوباما، وعزا ذلك إلى الصداقة الشخصية الطويلة الأمد بين بايدن ونتنياهو، والتي نجحت وآتت ثمارها في عدد غير قليل من الأزمات، قائلا “هذه الصداقة القوية جدا ستسمح لنتنياهو -إذا تصرف بحذر ومسؤولية- بإجراء حوار محترم مع الإدارة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب ونائبته كامالا هاريس”.

من الواضح تماما أنه ستكون هناك خلافات بين واشنطن وتل بيب، لكن مقربين من بايدن يقولون إن هناك تناغما جيدا بين السياسيين المخضرمين -بالإشارة لبادين ونتنياهو- وإنهما سيكونان قادرين على التحدث بهدوء والتغلب على الاعتراضات المتبادلة بروح الصداقة، بينما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر مقرب من الرئيس المنتخب قوله “بايدن لن يسمح للخلافات أن تضر بالعلاقات بين البلدين”.

لكن لأكون صادقا يقول الصحفي الإسرائيلي “لن تكون العلاقة بين بايدن ونتنياهو حديقة من الورود أو نزهة في أحضان الطبيعة، ففي الحزب الديمقراطي، وكذلك لدى بايدن وأعوانه، هناك الكثير من الترسبات والغضب الشديد على نتنياهو بسبب سلوكه خلال ولايتي أوباما وترامب، إذ يعتبر الديمقراطيون نتنياهو وسفيره في واشنطن، رون درامر، من أنصار ترامب”.
ويقدر آيخنر أن الخوف المركزي لدى حكومة نتنياهو هو أنه إذا كانت هناك خلافات يمكن أن تتصاعد إلى صراعات، فإنها ستأتي من الأشخاص الذين سيعينهم بايدن للتعامل مع إسرائيل وعملية السلام مع الفلسطينيين والقضية الإيرانية.

ويرجح أن يكون بعضهم بلا شك أعضاء في إدارة أوباما يحملون في أذهانهم ذكرى سيئة للغاية لنتنياهو وخطابه في الكونغرس في عام 2015، حيث تحدى أوباما داعيا إلى رفض سعي البيت الأبيض في حينه للتوصل إلى اتفاق مع إيران، حول برنامجها النووي.

لا تتوقف الترسبات عند هذا الحد، يقول آيخنر “يجد بعضهم صعوبة في نسيان الحدث الصعب في مارس/آذار 2010، عندما أعلن وزير الداخلية آنذاك إيلي يشاي بناء 1600 وحدة استيطانية في رمات شلومو أثناء زيارة بايدن نائب الرئيس أوباما لإسرائيل، حيث نظر إلى هذه الخطوة على أنها طعنة سكين من نتنياهو في ظهر بايدن ومحاولة لتخريب زيارته للمنطقة”.

وأوضح أن بايدن يؤمن من صميم قلبه بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل. ويرى أن هذا الحل يجب أن يقود السياسة الأميركية في قضية الصراع العربي الإسرائيلي، ويرى أنه يجب الحفاظ على هذا الحل.

لكن، يقدر آيخنر أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية لن تكون من أولويات بايدن الذي سيركز في عامه الأول على القضايا الداخلية، وبالتالي لن يكون في عجلة من أمره لمحاولة إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.

لا يعتزم الرئيس المنتخب إعادة السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب، لكن ليس من المؤكد أن السفير الأميركي سيبقى يسكن في القدس، فالتقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن الرئيس المنتخب سيأمر بإعادة إنشاء القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي كانت مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن بايدن يعتزم تجديد المساعدات المالية للفلسطينيين التي توقفت في عهد ترامب، كما يعتزم إعادة فتح السفارة الفلسطينية في واشنطن، إذ تهدف كل هذه الإجراءات إلى استعادة ثقة الفلسطينيين في الولايات المتحدة كوسيط “منصف” تم خسارته خلال ولاية ترامب.

هذه التقديرات التي يتفق معها محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر، تضاف إلى ترجيحه بأن البيت الأبيض لن يعود البيت الدافئ لنتنياهو في عهد بايدن، إذ سيتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتعامل مع أعراض ما بعد ولاية ترامب، مشيرا إلى أن نتنياهو قد لا يصطدم مباشرة مع الرئيس المنتخب، لكنه لن يحظى بتعاطف إدارته أيضا.

وأوضح المحلل الإسرائيلي أن أحد أبرز القضايا التي تقلق إسرائيل هي كيفية تعامل الرئيس المنتخب مع ملف النووي الإيراني، إذ صرح بايدن سابقا بأنه إذا عادت طهران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، فسوف تنضم الولايات المتحدة إليه وترفع العقوبات ضمنيا، وعندها فقط ستتفاوض حكومته مع إيران وتعمل مع حلفاء الولايات المتحدة للاتفاق على “تعزيز وتمديد” بنود الاتفاقية.

ويرى فيرتر أن البيت الأبيض لن يعود ليكون البيت الثاني للسفير الإسرائيلي بواشنطن، والسفير الجديد في إسرائيل لن يكون مستوطنا على غرار ديفيد فريدمان، لافتا إلى أن نتنياهو بات محظوظا لأنه لم يشرع بتنفيذ خطة الضم، حيث تجنب بذلك مواجهة محتملة مع الإدارة الجديدة في واشنطن.