في خضم موجة االاحتجاجات التي يقودها شباب “جيل Z” في المغرب، خرج مصطفى بايتاس، النّاطق الرّسمي باسم الحكومة، بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً خلال ظهوره في برنامج “صدى الحدث” على قناة ميدي1، في أوّل تعليق رسمي له منذ اندلاع الأزمة الاجتماعية الأخيرة.

خلال المقابلة، بدا بايتاس مرتبكاً في مواجهة أسئلة الإعلامي نوفل العوالمة، خاصّةً عند طرحه موضوع “الدّفتر المطلبي” الذي وجّهه المحتجّون إلى الملك محمد السادس، والذي يتصدّره مطلب إقالة الحكومة ومحاسبتها بشكل علني. فبدل تقديم توضيحات أو رسائل تهدئة، نفى بايتاس علمه بالمطلب، وهاجم الصّحافي قائلاً: “شوف أسيدي، أنا ما وصلنيش هادشي، باش عرفتي هادشي هذا؟”، في رد وُصف على نطاق واسع بأنّه غير مسؤول ويعكس غيابًا للجاهزيّة في التّواصل.

تصريحات بايتاس، التي حاول من خلالها طمأنة الشّباب بالقول إنّ “السّياسات العمومية ليست قرآنا منزّلاً” وإنّ الحكومة منفتحة على المقترحات، لم تصمد أمام لحظة المواجهة مع واقع ميداني واحتجاجي بدأ يأخذ طابعًا وطنيًا. الرّدود المتشنّجة والإنكار الظّاهر للمطالب ساهمت في تعميق الإحساس بانفصال الحكومة عن هموم الشّارع، وفق ما رصدته تعليقات واسعة على منصّات التّواصل.

الارتباك الظّاهر في أداء النّاطق الرّسمي لم يكن، بحسب مراقبين، مجرّد زلّة إعلامية، بل تعبيراً عن أزمة تواصليّة أعمق داخل الجهاز الحكومي. ففي وقتٍ يتطلّب فيه الخطاب الرّسمي قدرةً على التّهدئة وفتح قنوات الحوار، برزت ملامح ضعف في الإحاطة بالملف، بل إنّ بايتاس نفسه اعترف بعدم علمه بتفاصيل مطلب أصبح على رأس النّقاش الوطني.

ويزداد هذا المشهد حرجاً حين يُقارن مع التّوجيهات الملكيّة التي ما فتئت تشدّد على “الجديّة” وربط المسؤولية بالمحاسبة. فأن يجهل النّاطق الرّسمي للحكومة معطى أساسياً تمّ تداوله بشكل واسع، وأن يتعامل معه بانفعال بدلاً من التّوضيح، يعكس أزمة ثقة تتجاوز الأشخاص وتمتد إلى مؤسّسة الحكومة برمّتها.

الاحتجاجات الرّقميّة بقيادة “جيل Z” كشفت هشاشةً في البنية التّواصليّة الرّسميّة، وطرحت سؤالاً محوريًّا: ما فائدة وجود ناطق رسمي إذا كان غائباً عن مجريات الواقع، ويفتقر إلى أدوات التّفاعل مع التّحوّلات السّريعة للرّأي العام؟ في ظرفيّة حسّاسة اجتماعيًّا وسياسيًّا، بدا صوت الحكومة ضعيفاً ومتردّداً، ما أضاع فرصةً لفتح صفحةٍ جديدة مع الشّباب وتقديم إشارات إنصات حقيقيّة.

إنّ إدارة الأزمات، وفق مختصّين، لا تقتصر على اتّخاذ قرارات آنية، بل تتطلّب خطاباً استباقياً يشرح ويطمئن ويصغي. غير أنّ ما حدث في هذا الظّهور الإعلامي يعزّز القناعة بأنّ الحكومة، في هذه اللّحظة المفصليّة، اختارت أن تراقب من بعيد بدل أن تتفاعل، ما يهدّد بتعميق الهوّة بين المؤسّسات والمواطنين، خاصّةً الجيل الجديد الذي لم يعد يقبل التّجاهل أو التّبريرات الجاهزة.