شدّد محمد عبد النباوي، الرّئيس الأوّل لمحكمة النّقض والرّئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسّلطة القضائية، على أنّ العدالة الحديثة لا تكتمل إلّا بتكامل ثلاث ركائز أساسية: الاستقلالية، الأخلاقيات، والتّواصل. جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الشّبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء، المنعقد اليوم الخميس بمدينة مراكش.
وفي كلمته، أوضح عبد النباوي أنّ العدالة لا يمكن أن تحظى بالشّرعيّة والاحترام ما لم تكن مؤطّرة بمبادئ أخلاقيّة راسخة، معتبرًا أنّ الاستقلالية، حين تقترن بالأخلاقيات، تتحوّل إلى “قوّة بناءة” تخدم المواطن بثقة وشفافية. كما لفت إلى أنّ التّحدّيات التّكنولوجية والاقتصادية المعاصرة زادت من تعقيد مهام المجالس القضائية، التي لم تعد تقتصر على ضمان سير العدالة فحسب، بل باتت مطالَبة بترسيخ مصداقيتها وقربها من المواطنين.
وأكّد عبد النباوي أنّ مؤتمر هذه السّنة يُعد فرصة جماعية لتعزيز عدالة مستقلّة ومسؤولة، من خلال تقوية التّعاون بين الدّول الأعضاء في الشّبكة الفرنكفونية، التي وصفها بأنّها “منصّة إصلاحية ومصدر إلهام للأنظمة القضائية في الدّول النّاطقة بالفرنسية”.
وبمناسبة الذّكرى العاشرة لتأسيس الشّبكة، أشار إلى أنّ هذه المحطّة تمثّل فرصة لتقييم عقد من العمل المشترك والتّبادل المثمر، والاستعداد للتّحدّيات المستقبلية، مشدّدًا على ضرورة استثمار المكتسبات والبناء عليها.
ويُعقد المؤتمر على مدى يومين، تحت شعار “الشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء .. الحصيلة والآفاق”، بحضور وفود تمثل 14 دولة عضوًا في الشّبكة، إلى جانب ثلاثة مجالس عليا بصفة ملاحظ، وممثّلين عن منظّمات دوليّة ناطقة بالفرنسية، بالإضافة إلى باحثين وخبراء قانونيّين.
وتتوزّع أشغال المؤتمر على أربعة محاور رئيسيّة: تقييم حصيلة عشر سنوات من نشاط الشّبكة، استقلالية المجالس القضائية، البعد الأخلاقي في وظيفة القاضي، ودور القاضي في فضاء التّواصل الرّقمي والتّحدّيات المتعلّقة بواجب التّحفّظ.
تجدر الإشارة إلى أنّ الشّبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء أُنشئت عام 2014 بموجب إعلان “غاتينو”، وتضم اليوم 23 مجلسًا قضائيًا من دول متعدّدة، وتشكّل منبرًا لتبادل التّجارب وتعزيز القيم القضائية العالميّة المرتبطة بالاستقلال والنّزاهة والمهنية.