في حادثة تُسلّط الضّوء مجدّدًا على واقع الحريّات الفرديّة داخل مخيمات تندوف، تعيش الشّابّة الصّحراويّة “صَفيّة” (28 عامًا) مأساة إنسانيّة صادمة، بعدما مُنعت من مغادرة الأراضي الجزائريّة نحو إسبانيا، رغم امتلاكها لجواز سفر إسباني ساري المفعول. خلف هذا المنع تقف جبهة البوليساريو، وسط صمت مطبق من السّلطات الجزائريّة التي رفضت التّدخّل، معتبرةً القضيّة “شأنًا عائليًّا”.
تفاصيل القصّة التي نشرتها صحيفة Público الإسبانيّة، تكشف أنّ “صَفيّة” كانت قد سافرت بداية 2024 لزيارة أقاربها بالمخيّمات ومشاركة شقيقتها احتفال عيد ميلادها، قبل أن تُفاجأ بتحوّل الزّيارة إلى احتجاز إجباري، بعد اختفاء جواز سفرها وبطاقة هويّتها الإسبانيّة. وتُحمّل “صَفيّة” مسؤولية ذلك إلى والدتها البيولوجيّة، التي رفضت عودتها إلى إسبانيا، في تنسيق ضمني مع سلطات الجبهة.
مصاعب “صَفيّة” لم تتوقّف عند حدود العائلة، إذ اصطدمت أيضًا بجدار بوليساريو الحديدي، حيث رفضت الجبهة منحها إذن الخروج، ما جعل تدخّل القنصليّة الإسبانيّة غير ذي جدوى، رغم إصدارها وثيقتيْ مرور في ماي 2024 وفبراير 2025. وبينما يُفترض أنّ السّلطات الجزائريّة تملك سلطة التّدخّل، اختارت تجاهل القضيّة، واعتبرتها ملفًّا داخليًّا لا يستدعي تدخّل الدّولة.
وفي تصريحاتها للصّحيفة الإسبانيّة، قالت “صَفيّة” إنّها تعيش في حالة رعب دائم، موضّحةً أنّها تلقّت تهديدًا بالقتل من أحد أقاربها في حال حاولت الفرار، كما عبّرت عن خشيتها من أن تقع بين أيدي مقرّبين من الجبهة. وأضافت أنّها مضطرّة للعيش في عزلة قسريّة داخل العاصمة الجزائريّة، ولا تخرج إلّا للضّرورة القصوى، وترافقها دومًا امرأة خشية توقيفها أو الإبلاغ عنها.
الحادثة دفعت منظّمات حقوقيّة ونوّابًا برلمانيّين إسبان إلى دق ناقوس الخطر، حيث وجّهت أصوات متعدّدة نداءات عاجلة إلى قيادة جبهة البوليساريو، مطالبةً بالسّماح لـ”صَفيّة” بالعودة إلى بلدها، وضمان سلامتها الجسديّة والنّفسيّة. كما ناشدت تلك الجهات المفوضيّة السّامية للأمم المتّحدة لشؤون اللّاجئين، من أجل التّدخّل العاجل ووضع حد لهذا الوضع “المنافي للقانون الدّولي”.
قضيّة “صَفيّة” تضع جبهة البوليساريو مجدّدًا في مرمى الانتقادات الحقوقيّة، وتطرح أسئلة ملحّة حول مدى التزامها بحريّة التّنقّل وحقوق الإنسان في مناطق سيطرتها، وكذلك حول موقف الجزائر، البلد المضيف، الذي يكتفي بدور المتفرّج رغم وقوع الحادثة على أراضيه، ورغم ارتباط الأمر بمواطنة أوروبيّة تتمتّع بالحماية الدّبلوماسيّة والقانونيّة.