في خطوة تحمل أبعاداً دبلوماسيّة واقتصاديّة لافتة، عبّرت كوريا الجنوبيّة بشكل رسمي عن دعمها للمبادرة المغربيّة للحكم الذّاتي في الصّحراء، معتبرةً إياّها “جهوداً جادّة وذات مصداقيّة”، وذلك ضمن بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجيّة في سيول ونشرته السّفارة الكوريّة بالرباط تحت عنوان “نظرة عامّة على العلاقات الثّنائيّة بين كوريا والمغرب”.
الموقف الكوري الجديد يأتي في وقت تتسارع فيه وتيرة الشّراكة بين الرباط وسيول، ويكتسب أهميّة خاصّة بالنّظر إلى عضويّة كوريا الحاليّة غير الدّائمة بمجلس الأمن الدّولي، ما يجعلها فاعلاً مباشراً في النّقاشات المرتقبة بشأن ملف الصّحراء نهاية أكتوبر المقبل.
وأكّد البيان الكوري على تقدير سيول للمبادرة المغربيّة المقدّمة عام 2007 للأمم المتّحدة، مبرزاً دعمها لمسار الحوار السّياسي تحت رعاية المنظّمة الأمميّة بهدف التّوصّل إلى حل متوافق عليه بين الأطراف.
تقارب سياسي واقتصادي متسارع
وعلى امتداد سنتي 2024 و2025، شهدت العلاقات المغربيّة الكوريّة تحوّلاً نوعيًّا، جسّده تبادل مكثّف للزّيارات الرّسميّة رفيعة المستوى. فقد زار المغرب مسؤولون بارزون من كوريا، من بينهم رئيس الجمعيّة الوطنيّة ووزير النّقل ورئيس بنك التّصدير والإستيراد. ومن الجانب المغربي، قامت وفود وزاريّة رفيعة بزيارات متعدّدة إلى سيول، أبرزها خلال قمّة كوريا – إفريقيا بمشاركة 54 دولة إفريقيّة.
هذا التّقارب لم يقتصر على الجانب السّياسي، بل تجسّد في تعاون اقتصادي متزايد، حيث بلغ حجم التّبادل التّجاري بين البلديْن 550 مليون دولار في عام 2024، وسط مساعٍ لتوسيع نطاق التّعاون نحو اتّفاق شراكة اقتصاديّة شامل.
شراكات صناعيّة وأمنيّة
وفي السّياق ذاته، باتت الشّركات الكوريّة الكبرى حاضرةً بقوّة في السّوق المغربيّة، سواءٌ عبر فروع محليّة لعمالقة التّكنولوجيا مثل سامسونغ و”إل جي”، أو من خلال مشاريع ضخمة في قطاعات النّقل والدّفاع. ففي فبراير 2025، فازت شركة “هيونداي روتيم” بعقد لتزويد المغرب بـ110 قطارات بقيمة تناهز 1.5 مليار أورو، في صفقة تُعد الأضخم في تاريخ الشّركة خارج كوريا.
كما كشفت مصادر كوريّة ومغربيّة عن بدء مفاوضات متقدّمة لاقتناء معدّات عسكريّة كوريّة، تشمل دبّابات “K2 بلاك بانثر”، وغوّاصات من طراز KSS-III، ومنظومات دفاع جوّي متطوّرة من نوع KM-SAM.
ذاكرة مشتركة وآفاق تنموية
ولم تغفل سيول التّذكير بالمشاركة الرّمزيّة للجنود المغاربة في الحرب الكوريّة في خمسينات القرن الماضي، مؤكّدةً تقديرها لتضحياتهم، في بادرة تحمل رمزيّة تاريخيّة.
في المقابل، يواصل البلدان تعميق تعاونهما في مجالات التّنمية المستدامة، ومواجهة التّغيّر المناخي، والحماية الإجتماعيّة، حيث وقّع الجانبان اتّفاقيات عدّة في هذا الإطار خلال قمّة كوريا – إفريقيا.
التّقارب المغربي الكوري يبدو في طريقه إلى التّحوّل إلى شراكة استراتيجيّة متكاملة، تُزاوِجُ بين الإعتراف السّياسي والمصالح الإقتصاديّة، في ظل رهانات إقليميّة ودوليّة متزايدة.