يبدأ رئيس الحكومة الإسبانيّة، بيدرو سانشيز، اليوم الأربعاء، زيارة رسميّة إلى العاصمة الموريتانيّة نواكشوط، على رأس وفد وزاري استثنائي يضم سبعة من أبرز أعضاء حكومته، في خطوة تعكس تطوّراً لافتاً في العلاقات الثّنائيّة بين مدريد ونواكشوط، وتُظهر تحوّلات استراتيجيّة إقليميّة بارزة، خصوصاً في ملف الصّحراء.

وتشير مصادر دبلوماسيّة إسبانيّة، إلى أنّ أجندة اللّقاءات بين سانشيز والرّئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تشمل قضايا الأمن والهجرة والطّاقة، في حين يُتوقّع أن يُطرح ملف الصّحراء بشكل غير مباشر، نظراً لتشابكه مع التّوازنات الإقليميّة الحسّاسة وتأثيراته على العلاقة بين المغرب والجزائر.

وتأتي هذه الزّيارة في وقت تتصاعد فيه التّنسيقات بين إسبانيا والمغرب، مع تجديد مدريد دعمها العلني لمبادرة الحكم الذّاتي المغربيّة، ما يضع موريتانيا في موقف حسّاس يتطلّب منها موازنة دقيقة بين دعم المغرب بطريقة “صامتة” والحفاظ على علاقاتها مع الأطراف الإقليميّة الأخرى.

وعلى الرّغم من عدم إدراج ملف الصّحراء بشكل رسمي ضمن جدول أعمال اللّقاء، إلّا أنّ دور موريتانيا كطرف مراقب في المسار الأممي يمنع تجاهل هذا الملف، حيث تعوّل إسبانيا على دعم موريتانيا لمبادرة الحكم الذّاتي التي طرحتها الرباط عام 2007، لتقوية الموقف السّياسي المغربي بشأن سيادته على أقاليمه الجنوبيّة.

في المقابل، تبرز السّياسة الخارجيّة لنواكشوط في عهد الرّئيس الغزواني اتّجاهاً براغماتيًّا واضحاً بعيداً عن الاصطفافات الأيديولوجيّة الصّارمة، حيث يتجلّى ذلك في حضور موريتانيا المتزايد في المبادرات الأمنيّة والاقتصاديّة الإقليميّة والدّوليّة، مثل قمّة البيت الأبيض المصغّرة التي دعت إليها الولايات المتّحدة بمشاركة زعماء غرب إفريقيا.

ويعوّل المغرب على هذا التّحوّل في موقف موريتانيا، خاصّةً مع اعتماد الأخيرة إجراءات عسكريّة لتعزيز أمن حدودها الشّماليّة، وإغلاق المنافذ التي تستخدمها مليشيات جبهة البوليساريو في هجماتهم على الأراضي المغربيّة.

تجدر الإشارة إلى أنّ موريتانيا اعترفت رسميًّا بجبهة البوليساريو في فبراير 1984، في ظل ضغوط إقليميّة من الجزائر وليبيا، لكن الحكومات الموريتانيّة المتعاقبة تبنّت منذ التّسعينيات سياسة “الحياد الإيجابي” وامتنعت عن دعم الجبهة بشكل فعّال، ممّا يعكس تحوّلات متواصلة في الموقف الموريتاني تجاه النّزاع الإقليمي.