حل رئيس الوزراء الاسباني السيد بيدرو سانشيز بالمغرب اليوم الأربعاء رفقة وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون خوسيه مانويل ألباريس، في زيارة هي الأولى للمسؤول الحكومي المعاد انتخابه على رأس السلطة التنفيذية، تحمل دلالات متعددة على صلة بمستوى العلاقات مع دول الجوار التي يعتبر المغرب أبرزها.

ومن المتوقع أن يتضمن جدول الزيارة لقاء محتمل مع جلالة الملك محمد السادس، على الرغم من غياب أي تأكيد لجدول الأعمال الرسمي للزيارة، إذ أُعلن فقط عن  مؤتمر صحفي لرئيس السلطة التنفيذية.

وظل لقاء المسؤول الإسباني بجلالة الملك معلقا منذ عام، حين تزامن تواجد سانشيز لحضور اجتماعات اللجنة المغربية-الإسبانية المشتركة، بعد انقطاع دام 8 سنوات مع تواجد الملك في زيارة للغابون.

زيارة خامسة

وستكون هذه هي الزيارة الخامسة التي يقوم بها المسؤول الإسباني رفيع المستوى إلى المغرب، في سياق يتسم بإعادة بعث الحياة للعلاقات بين البلدين بعد الأزمة التي عاشتها  قبل ثلاث سنوات، وكان آخر فصولها مشهد تدفق المئات من المرشحين للهجرة غير الشرعية عبر السياج الحدودي بسبتة، في أعقاب استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو الإنفصالية، إبراهيم غالي، الذي تلقى العلاج في أحد مستشفيات مدينة لوغرونيو الاسبانية، بهوية وجواز سفر مزورين باسم “بن بطوش”، مما أثار انزعاج المغرب وتسبب بتوتر دبلوماسي كبير بين البلدين.

ومنذ ذلك الحين، بنت الحكومة الإسبانية جسور علاقتها مع المغرب، بإيماءات مثل إقالة وزيرة الخارجية آنذاك، أرانشا غونزاليس لايا، ليصبح خليفتها خوسيه مانويل ألباريس، مسؤولا عن إعادة بناء العلاقات والمفاوض حول دور وموقف إسبانيا من قضية الصحراء، وتسوية العلاقات وحل التوتر الدبلوماسي مع الرباط.

العلاقة الثنائية تعيش أفضل فتراتها

و تؤكد ما أورده موقع يومية “إنفو ليبر” الإسبانية فإن  مصادر مقربة من قصر لامونكلوا فالت الرحلة تأتي في أفضل فترات العلاقات بين البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، مضيفة أن المرحلة الجديدة في العلاقات الثنائية بين إسبانيا والمغرب بدأت مع خارطة الطريق المعتمدة في عام 2022، في ظل إجماع بين رئيس الحكومة الاسباني والملك محمد السادس على ضرورة بناء علاقة مبنية على الحوار الدائم، الثقة والاحترام المتبادل والإلتزام.

وتسلط اليومية الإسبانية الضوء على  الاجتماع الرفيع المستوى الذي عقد قبل عام اختتم بتوقيع 24 اتفاقية بوصفه «محطة تاريخية»، لكونه تضمن التوقيع على إعلان مشترك تناول جميع أبعاد العلاقات الثنائية، ليكون على الطرفين مستقبلا معالجة بعض النقاط التي لم يتم تنفيذها كما هو متفق عليه، مثل إعادة العلاقات الجمركية في معبر مليلية، التي أغلقها المغرب من جانب واحد في عام 2018، فضلاً عن فتح منفذ آخر جديد في سبتة.

ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات – خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب

رسائل إقتصادية قوية

وتضيف اليومية أن سانشيز يصل إلى المغرب حاملا رسالة اقتصادية قوية، مفادها أن إسبانيا تصب تركيزها بشكل خاص على العلاقات التجارية والاستثمارية المثمرة بين البلدين، حيث تعد إسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب وتطمح لأن تصبح يالتوازي مع ذلك مستثمرا رائدا، بتجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين حاجز الـ 20 ألف مليون يورو المسجل في عام 2022 -بحسب بيانات السلطة التنفيذية الاسبانية-، ويعتزم الطرفان دائماً حسب ذات المصدر أن يستمر هذا الرقم في الزيادة.

وبالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لمصادر حكومية فإن البلدين، لديهما أيضًا اهتمام عالي بالتعاون في المسائل الأمنية، سواء في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة أوالهجرة غير الشرعية أو مكافحة عصابات “المافيا” والاتجار بالبشر، مع القضايا التي تدافع فيها إسبانيا أيضًا عن موقف الاتحاد الأوروبي للتعاون مع الجهة الآخرى للبحر الأبيض المتوسط ​​والدول الأفريقية.

سياقات وجدل

إلى ذلك تأتي زيارة سانشيز إلى المغرب بعد ما يزيد عن عشرة أيام من زيارته مرفوقا برئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى موريتانيا، حيث تناولا هناك المخاوف بشأن زيادة تدفق الهجرة غير الشرعية التي تصل إلى جزر الكناري من ذلك البلد، بالإضافة إلى تأكيد الاهتمام الاستثماري صوب مشاريع الهيدروجين الأخضر.

وبحسب المصدر ذاته فمن المتوقع أيضًا أن تكون رحلة سانشيز محط جدل وطني باسبانيا، حيث ينتقد شركاء في الحكومة التحول الذي اتخذته إسبانيا فيما يتعلق بمواقفها من قضية الصحراء، ويتمثل ذلك بتشويه اليمين سمعة الحزب الاشتراكي العمالي بسبب موقفه تجاه المغرب.

ومن ناحية أخرى، يواصل سانشيز التأكيد على أن موقف إسبانيا لم يتغير إذ يتماهى وتوجهات الأمم المتحدة، لكن مؤشرات قوية كالتنظيم المشترك لبطولة كأس العالم 2030 مع المغرب والبرتغال، تعتبر من بين المؤشرات القوية على التوجه المستقبلي لإسبانيا بخصوص القضايا الوطنية للمغرب وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية للمملكة.