وسط أزمة أسعار خانقة عاشها المغاربة خلال الأشهر الماضية، عاد التّفاؤل ليخترق أفق قطاع الزّيتون عقب تساقطات مطريّة أنعشت آمال الفلاحين، وأعادت الحلم بموسم إنتاج أفضل، لكنّ هذا الأمل ما زال يواجه تهديدات مناخيّة حقيقيّة، على رأسها رياح “الشركي” الحارقة، التي قد تقلِب الموازين في لحظة.
في قرى فاس-مكناس ومناطق أخرى، يترقّب الفلاّحون تطوّرات الطّقس كما يترقّب المريض استجابة الدّواء. الموسم الجديد يُبشّر ببدايات مشجّعة، بحسب شهادات من عين المكان، لكنّ الإحتراز من مفاجآت المناخ ما يزال سيّد الموقف. “الأشجار استعادت عافيتها، والثّمار تنضج مبكّرًا”، يقول فلاح مخضرم من المنطقة، مضيفًا: “لكن أي هبّة شركي قويّة قد تُجهض كل شيء”.
وتُعدُّ زراعةُ الزّيتون أحد أركان الإقتصاد الفلاحي المغربي، إذ تُغطّي حواليْ 1.2 مليون هكتار وتشغّل ما يزيد عن 300 ألف فلّاح. ومع ذلك، تكشف المعطيات الرّسميّة أنّ موسم 2022-2023 شهد تراجعًا حادًّا بنسبة 44% في الإنتاج، بسببِ شحِّ الأمطار. وحتّى في ظل بوادر التّحسّن هذا العام، تبقى الأرقام دون معدّلات سنوات “الخير” كسنة 2018.
ولا يتوقّف الرّهان على الوفرة فقط، بل يتعدّاها إلى قدرة السّوق على امتصاص التّوتّرات المرتبطة بالأسعار. فرغم الأمل في انخفاض قادم، ما زالت أسعار زيت الزّيتون تتراوح بين 100 و120 درهمًا للّتر في المدن الكُبرى، ممّا يجعل الأسر المغربيّة بين مطرقة الغلاء وسندان الإنتظار.
الوزارة الوصيّة أعلنت تتبّعها للوضع عبر لجان جهويّة، وتُحضّر لتنزيل خُطط دعم عاجلة تستهدف الفلّاحين الصّغار، تشمل تحسين تقنيات الرّي والتّكيّف مع تغيّر المناخ. لكنّ المختصّين يشدّدون على أنّ الموسم القادم سيكون اختبارًا حقيقيًّا للسّياسات الزّراعيّة، لا فقط لطقس السّماء.
في النّهاية، لم يعُد التّحدّي محصورًا في غلّة موسم واحد، بل في بلورة نموذج زراعي قادر على الصّمود في وجه تقلّبات المناخ والسّوق، وتحويل شجرة الزّيتون من رمز مقاوم إلى عمود فقري للأمن الغذائي الوطني.