في تطوّر لافت لمسار الملف الصّحراء المغربيّة، يواصل المبعوث الشّخصي للأمين العام للأمم المتّحدة، ستافان دي ميستورا، تحرّكاته الدّبلوماسيّة تحضيرًا لتقريره المنتظر أمام مجلس الأمن في أكتوبر المقبل. زيارة دي ميستورا إلى الجزائر، ولقاؤه وزير الخارجيّة أحمد عطاف، حملت دلالات جديدة، أبرزها تصاعد حدّة إشاراته إلى مسؤولية الجزائر المباشرة في استمرار النّزاع، في موقف غير مسبوق من قبل المسؤول الأممي.
ورغم الطّابع البروتوكولي الذي ميّز اللّقاء، إلّا أنّ أصداء الجولة كشفت عن تحوّل واضح في الخطاب الأممي، إذ لم يعد دي ميستورا يلتزم بنفس المسافة بين الأطراف، بل بات يوجّه انتقادات صريحة للجزائر، معتبرًا أنّ دورها يتجاوز صفة “المراقب” التي طالما تمسّكت بها.
في مقابلة حديثة مع مركز الدّراسات الإيطالي للشّؤون الدّوليّة (ISPI)، أعاد دي ميستورا رسم معالم النّزاع، مؤكّدًا أنّه ليس صراعًا ثنائيًّا بين المغرب و”البوليساريو”، بل نزاع بين دولتيْن: المغرب والجزائر. ووصف “البوليساريو” بأنّها كيان لا يملك استقلالية القرار، ممّا يعزّز الطّرح المغربي الذي يعتبر الجزائر طرفًا أصيلاً في النّزاع.
تصريحات دي ميستورا التي لم تمر دون انتباه العواصم الكبرى، أكّدت أيضًا أنّ التّحدّي الأكبر يكمن في منع تدهور الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة بين الرباط والجزائر، في ظل تصاعد التّوتّرات الإقليميّة وتنامي التّهديدات الأمنيّة بالسّاحل.
هذه التّطوّرات تأتي في سياق دعم دولي متصاعد لمبادرة الحكم الذّاتي التي تقدّم بها المغرب، حيث جدّدت الولايات المتّحدة، من خلال مستشار الأمن القومي للرّئيس الأمريكي، مسعد بولس، موقفها الدّاعم للمبادرة باعتبارها الحل الوحيد والواقعي لتسوية النّزاع. ويتقاطع الموقف الأمريكي مع تأييد واضح من عواصم أوروبيّة وازنة، كمدريد وبرلين وباريس، إضافةً إلى دعم عربي وإفريقي واسع تُرجم في افتتاح قنصليّات بعدد من مدن الصّحراء المغربيّة.
بالمقابل، تواجه الجزائر ضغوطًا متزايدة لتوضيح موقعها الحقيقي من النّزاع، وسط عزلة دبلوماسيّة آخذة في الاتّساع، خصوصًا بعد التّوتّرات مع مجموعة دول السّاحل. وتبدو خياراتها محدودة أكثر من أي وقت مضى، خاصّةً في ظل تصريحات دي ميستورا التي قلّصت من مساحة “الحياد” التّقليدي، وأدرجت الجزائر ضمن خانة الأطراف المعنيّة مباشرةً بالحل السّياسي.
التّقرير المرتقب في أكتوبر قد يشكّل منعطفًا حاسمًا، إذ من المتوقّع أن يتضمّن لأوّل مرّة إشارات صريحة لدور الجزائر، ما من شأنه تغيير موازين النّقاش داخل مجلس الأمن، وربما تسريع الخطوات نحو تسوية تستند إلى الطّرح المغربي.
في خلفية هذا المشهد، يبقى البُعد الجيوسياسي حاضرًا بقوّة، في ظل التّوتّرات الدّوليّة واحتدام المنافسة على النّفوذ في شمال إفريقيا. ويبدو أنّ الرباط تستثمر في لحظة دوليّة مواتية، حيث يُنظر إليها كشريك استراتيجي موثوق في ملفّات الأمن، والهجرة، والطّاقة، ما يعزّز من فرص مبادرتها ويقوّي موقفها التّفاوضي.
وفي ظل هذه المعطيات، لم تعد الدّينامية الأمميّة تُدار وفق منطق إدارة النّزاع، بل أصبحت أقرب إلى صياغة حل دائم، عنوانه تحميل كل طرف مسؤوليته، والانطلاق من مبادرة الحكم الذّاتي باعتبارها أرضيّة التّوافق الممكن.