في خطوة وُصفت بالتّحوّل الدّبلوماسي البارز داخل الاتّحاد الأوروبي، أعلنت بلجيكا اليوم الخميس تأييدها الصّريح لمبادرة الحكم الذّاتي التي قدّمها المغرب سنة 2007، معتبرةً إيّاها الإطار الواقعي الوحيد الكفيل بتسوية نهائية لقضيّة الصّحراء في إطار سيادة المملكة ووحدتها التّرابية.
وجاء هذا الموقف خلال توقيع إعلان مشترك في بروكسيل بين وزير الشّؤون الخارجيّة والتّعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، ونائب الوزير الأوّل ووزير الخارجيّة والشّؤون الأوروبيّة والتّعاون الإنمائي البلجيكي ماكسيم بريفو. ويُعدّ الإعلان حدثاً ذا رمزيّة خاصّة، بالنّظر إلى أنّ بروكسيل تحتضن مؤسّسات الاتّحاد الأوروبي، ما يمنح الموقف البلجيكي بعداً أوروبيًّا يتجاوز العلاقات الثّنائية بين الرباط والعاصمة الأوروبيّة.
التّحرّك البلجيكي يُكمل حلقة الدّعم الأوروبي المتزايد للمبادرة المغربيّة، بعد انضمام بلجيكا إلى قائمة تضم فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا ولوكسمبورغ والبرتغال والمجر ورومانيا وقبرص وصربيا، وهي دول وصفت في بيانات سابقة المقترح المغربي بأنّه “جدّي وموثوق وواقعي”. وبهذا الإعلان، تكتمل دائرة تأييد مجموعة “البنلوكس”، إحدى الكتل الأكثر تأثيراً في صياغة سياسات الاتّحاد الأوروبي.
ويأتي الموقف الجديد قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدّولي المرتقبة نهاية أكتوبر الجاري، في وقت تؤكّد فيه تسريبات مشروع القرار الأممي المدعوم من واشنطن أنّ مبادرة الحكم الذّاتي تمثّل الأساس الأكثر جديّة ومصداقية للتّوصّل إلى حل سياسي دائم. وفي المقابل، أصدرت جبهة “البوليساريو” بياناً تحدّثت فيه لأوّل مرّة عن “تقاسم فاتورة السّلام”، في ما فُهم بأنّه إقرار ضمني بتعزّز المقاربة المغربيّة على السّاحة الدّولية.
المراقبون يعتبرون التّحوّل البلجيكي مؤشّراً على تغيّر متدرّج في مواقف الاتّحاد الأوروبي، خصوصاً وأنّه صدر من دولة مقرّ المؤسّسات الأوروبيّة، ممّا يعكس اقتناعاً متزايداً بأنّ استقرار شمال إفريقيا وتنمية الضفّة الجنوبيّة للمتوسّط يمرّان عبر تسوية هذا الملف على أساس مقاربة واقعية وميدانية.
ويأتي هذا التّطوّر ضمن دينامية دبلوماسية متصاعدة يقودها المغرب منذ سنوات، أثمرت مواقف داعمة من قوى غربيّة وإفريقيّة وخليجيّة، كان أبرزها مواقف ألمانيا في 2021 وإسبانيا في 2022 وفرنسا في 2023، التي أعلنت بوضوح تأييدها لمبادرة الحكم الذّاتي بوصفها “الحل الأكثر واقعيّة ومصداقية”.
إعلان بروكسيل يُعزّز بذلك ما بات يُوصف بـ”الإجماع الأوروبي البراغماتي” حول الرّؤية المغربيّة، ويُمهّد لمرحلة جديدة من النّقاش الدّولي حول الصّحراء، عنوانها الواقعيّة والتّعاون الإقليمي بدل النّزاع والجمود.