منذ صيف 2022، حين استقبل الرّئيس التّونسي قيس سعيّد زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي بشكل بروتوكولي مثير للجدل، دخلت العلاقات بين الرباط وتونس في مسار متأزّم غير مسبوق. ذلك الاستقبال، الذي سبق قمّة “تيكاد 8″، كان بمثابة شرارة أخرجت العلاقات من إطارها الطّبيعي إلى وضع أقرب إلى القطيعة، تُرجم بسحب السّفراء من الجانبيْن، في وقت بدت فيه الجزائر المستفيد الأكبر، بعدما زادت من تأثيرها على القرار السّياسي التّونسي.

تقرير نشره موقع “فرانس 24” أشار إلى أنّ تونس لم تُبد أي نيّة في إصلاح هذا الشّرخ، بل فضّلت تعزيز تقاربها مع الجزائر إلى درجة جعلتها أقرب إلى “حليف تابع” منها إلى “شريك متوازن”. هذا الخيار ارتبط بدعم مالي وطاقي سخي من الجزائر، شمل قروضاً وودائع وهبات، إضافةً إلى إمدادات الغاز وقوارير البوتان، وهو ما شكّل شبكة أمان لنظام تونسي يواجه أزمة اقتصاديّة خانقة، لكنّه في الوقت نفسه عزّز من قدرة الجزائر على فرض وصايتها السّياسيّة.

في ظل هذا التّموضع، خسرت تونس هامش استقلالية القرار الذي طالما تباهت به، وانخرطت في محور إقليمي ضيق يجمعها بالجزائر وليبيا، خارج إطار الاتّحاد المغاربي، وهو ما اعتبره التّقرير مؤشّراً على “دفن غير معلن” لحلم الوحدة المغاربيّة، الذي تأسّس على مبدأ التّكامل والتّوازن لا على الإقصاء والارتهان لمحاور ضيّقة.

المغرب من جهته اتّخذ خطوات عمليّة تعكس هذا الجمود؛ فقد استدعى سفيره حسن طارق في غشت 2022، قبل أن يُنهي مهامّه بشكل رسمي في مارس الماضي ويعيّنه الملك محمد السادس وسيطاً للمملكة، من دون تسمية خلف له في تونس. كما أنّ غياب برقيّة التّهنئة المعتادة من العاهل المغربي إلى الرّئيس التّونسي بمناسبة عيد الاستقلال في مارس 2025، عُدّ إشارة سياسية واضحة على عمق الأزمة.

كل هذه التّطوّرات تؤكّد أنّ العلاقات المغربيّة التّونسيّة مجمَّدة بقرار واعٍ من الطّرفيْن، وأنّ أي حديث عن استعادة الدّفء يبدو بعيداً عن الواقع، في ظل استمرار تونس في الارتهان لمحور إقليمي تقوده الجزائر، يستهدف إقصاء المغرب من معادلة العمل المغاربي المشترك.