في خضم استمرار موجة الغلاء التي تطال المحروقات بالمغرب، وما يرافقها من مطالب اجتماعيّة بإجراءات حقيقيّة لتقنين الأسعار، فجّر التّقرير الأخير الصّادر عن مجلس المنافسة، والمتعلّق بتطوّرات سوق المحروقات خلال الرّبع الأوّل من سنة 2025، موجة استياء عارمة في الأوساط النّقابيّة، التي اتّهمت المجلس بالتّخلّي عن أدواره الرّقابيّة، و”الانحياز للصّمت الفنّي بدل المواجهة القانونيّة”.
الحسين اليماني، الكاتب العام للنّقابة الوطنيّة للبترول والغاز، لم يتردّد في توجيه انتقادات لاذعة إلى المجلس، معتبرًا أنّه تحوّل إلى مؤسّسة للتّوصية “تُشرعن الأسعار الفاحشة”، بدل مساءلة ما وصفها بـ”لوبيات الهيمنة” التي ما زالت تتحكّم في سوق المحروقات، رغم تعدّد الفاعلين الظّاهري.
اليماني، الذي يرأس الجبهة الوطنيّة لإنقاذ مصفاة “سامير”، اعتبر أنّ المجلس فشل في تقديم أجوبة واضحة حول استمرار تغوّل هوامش الرّبح، وتهرّب من دوره في كشف المخالفات، مكتفيًا بتقرير تقني يغرق في أرقام وإشارات خارج اختصاصاته، في وقتٍ كانت فيه الانتظارات موجّهة نحو تفكيك الأسباب الحقيقيّة للفجوة بين أسعار الاستيراد وأسعار البيع للمستهلك.
التّقرير أشار إلى أنّ واردات المغرب من الغازوال والبنزين تجاوزت 1,62 مليون طن خلال الأشهر الثّلاثة الأولى من السّنة الجارية، بقيمة قاربت 12 مليار درهم، مع تسجيل تراجع في الكلفة بـ6,9% مقارنةً مع نفس الفترة من 2024. لكن اليماني شدّد على أنّ هذه المعطيات لم تُقارن ببنية الأسعار على المستوى الوطني، كما لم تُحلّل الفرق الكبير بين أسعار الشّراء والبيع.
ويبرز التّقرير أنّ تسع شركات فقط تهيمن على 82% من السّوق، في مقابل 32 شركة مرخّصة، دون أن يكشف أسماء هذه الكيانات التي سبق أن وُجّهت لها مؤاخذات قانونيّة. وهو ما أثار حفيظة النّقابات، التي رأت في هذا “انتقائية تضرب في العمق مبدأ الشّفافية والمحاسبة”.
أكثر من ذلك، اعتبر اليماني أنّ التّقرير تجاهل كليًّا تأثير الأسعار على المعيش اليومي للمغاربة، كما تهرّب من إجراء مقارنة بين مرحلة ما قبل تحرير الأسعار وما بعدها، رغم تضاعف الأرباح، وفق وثائق شركات مدرجة في البورصة. مضيفًا أنّ التّقرير تجاهل أيضًا الحاجة الاستراتيجيّة لإعادة تشغيل مصفاة “سامير”، رغم تزايد التّبعيّة الطّاقيّة للمغرب.
أمّا الجانب الجبائي، فكشف أنّ خزينة الدّولة راكمت نحو 6,86 مليار درهم من واردات المحروقات، منها أكثر من 5 مليار درهم من الضّريبة الدّاخليّة على الاستهلاك. أرقام تؤكّد، بحسب اليماني، أنّ الدّولة بدورها تستفيد من غلاء الأسعار، دون أن توازيه سياسة دعم أو تسقيف تعيد التّوازن للمستهلك.
وفي ختام تصريحه، أشار اليماني إلى أنّ “أصل الأزمة سياسي قبل أن يكون اقتصاديا”، محمّلاً المسؤولية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي كان شريكًا في قرار تحرير الأسعار، ويملك اليوم، بصفته رئيسًا للسّلطة التّنفيذيّة، صلاحية مراجعة هذا الخيار، لكنّه “لا يفعل، لأنه فاعل اقتصادي مستفيد من الوضع الرّاهن”، وفق تعبيره، في إحالة صريحة على تضارب المصالح.