في ظلِّ التّحوّلات الجيوسياسيّة التي يشهدها السّاحل الإفريقي، يُثير التّقارب المغربي المُتسارع مع دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حالة من القلق المتزايد داخل جبهة البوليساريو، تُترجمها موجة من المقالات والمواقف الصّادرة عن المنابر الإعلاميّة التّابعة للجبهة الإنفصاليّة، بعد اللّقاء الرّفيع الذي جمع الملك محمد السادس بوزراء خارجيّة هذه البلدان بالعاصمة الرباط.
وتروّج الجبهة الإنفصاليّة، من خلال خطابها الإعلامي، لفكرة مفادها أنّ هذا التّقارب يُهدّد استقلالية القرار السّياسي لدول السّاحل، في محاولة منها لإثارة الشّكوك حول نوايا المغرب في المنطقة، غير أنّ هذا الخطاب، وفق محلّلين، يُخفي مخاوف عميقة تتعلّق بمستقبل الجبهة نفسها في ظل هذا الإنفتاح الإقليمي للمملكة.
وفي هذا السّياق، يؤكّد محمد سالم عبد الفتاح، الخبير في شؤون الصّحراء، أنّ البوليساريو تعتبر أحد أبرز الأدوات التي يوظفها خصوم المغرب في منطقة السّاحل، إلى جانب ميليشيات مسلّحة وشبكات متطرّفة، من أجل زعزعة استقرار هذه الدّول وتقويض سيادتها.
ويُبرز عبد الفتاح أنّ الجبهة تعتمد بشكل كبير على علاقاتها المشبوهة مع تنظيمات متطرّفة تنشُط في السّاحل، ليس فقط لتأمين الدّعم اللّوجستي مثل السّلاح والمؤن، بل أيضًا كوسيلة لتمويل أنشطتها من خلال رعاية عمليّات التّهريب والإتّجار غير المشروع، بما في ذلك تهريب البشر والمحروقات.
ويُحذّر المتحدّث من أنّ استعادة بُلدان السّاحل السّيطرة الكاملة على أراضيها سيُجفّف تدريجيًّا منابع الدّعم والتّمويل التي تعتمد عليها البوليساريو، وهو ما يفسّر توجّسها من أي تقارب مع المغرب، خصوصاً في ظل النّفوذ المتنامي للجماعات المتشدّدة في محيط تندوف.
كما أشار عبد الفتاح إلى أنّ انخراط دول السّاحل في المبادرة الأطلسيّة التي أطلقها المغرب، يُعد خطوة استراتيجيّة تُعزّز الرّبط الجغرافي والإقتصادي بين هذه الدّول وأقاليم الجنوب المغربي، ما يُترجم فعليًّا إلى اعتراف عملي بمغربيّة الصّحراء، وقد يدفع بعض العواصم مثل باماكو إلى مراجعة مواقفها السّابقة بشأن الجبهة الإنفصاليّة.
وخلُص الخبير ذاته إلى أنّ هذا المسار السّياسي الجديد في منطقة السّاحل، من شأنه أن يُرسّخ المكاسب الدّبلوماسيّة للمغرب، ويُسهِم في التّسريع بتآكل الدّعم الإقليمي للمشروع الإنفصالي الذي بات يعيش أضعف مراحله.