شهدت العلاقات المغربيّة الروسيّة تطوّرًا لافتًا بعد سلسلة من المباحثات رفيعة المستوى تُوّجت بتوقيع اتّفاقيات استراتيجيّة تشمل مجالات اقتصاديّة حيويّة، أبرزها قطاع الصّيد البحري، ما يعكس اتّجاهًا واضحًا نحو تعميق الشّراكة بين البلديْن وتوسيع نطاقها ليشمل ملفّات ذات أبعاد سياسيّة وجيوسياسيّة، منها قضيّة الصّحراء والسّاحل الإفريقي.
ويأتي هذا التّقارب بين الرباط وموسكو في توقيت دبلوماسي حسّاس، حيث تتولّى روسيا حاليًا رئاسة مجلس الأمن الدّولي، ما يمنح للمباحثات بين الطّرفيْن أهميّة إضافيّة على مستوى التّوازنات الدّوليّة، خاصّةً في ظل تعقيد ملف الصّحراء داخل أروقة الأمم المتّحدة.
في المقابل، لم يتأخّر الرّد الجزائري، حيث استقبلت وزيرة التّجارة الدّاخلية أمال عبد اللطيف، السفير الأوكراني ألكسندر فورونين، لبحث إمكانيات توقيع اتّفاقية للتّجارة الحرّة بين الجزائر وكييف، في خطوة فسّرها مراقبون بأنّها تحمل رسائل سياسيّة موجّهة إلى موسكو على خلفيّة تنامي علاقتها بالرباط، لا سيما أنّ أوكرانيا تعتبر خصمًا مباشرًا لروسيا في نزاع مستمر منذ 2022.
التّحرّكات المتزامنة للبلديْن كشفت عن تصدّعات في معسكرات التّحالف التّقليديّة، حيث ترى الرباط في الشّراكة مع موسكو أداة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي وتثبيت رؤيتها لحل نزاع الصّحراء عبر مقترح الحكم الذّاتي، بينما تبدو الجزائر في موقف دفاعي، تحاول عبره التّخفيف من تداعيات التّحوّل الروسي المحتمل في الملف.
ويشير بيان صادر عن السّفارة الأوكرانيّة إلى أنّ اللّقاء بين الجانبيْن الجزائري والأوكراني ركّز على تعزيز المبادلات الاقتصادية وتأسيس مجلس أعمال مشترك، في حين يُنظر إلى هذه الخطوة على أنّها محاولة جزائريّة لإظهار هامش مناورة دبلوماسي في لحظة إقليميّة متقلّبة.
في المقابل، تعوّل الرباط على أنّ بناء مصالح اقتصاديّة وأمنيّة قويّة مع روسيا سيُساهم في توجيه موقف موسكو داخل مجلس الأمن نحو مزيد من الواقعيّة، خاصّةً مع اقتراب مناقشة تجديد ولاية بعثة “المينورسو“، حيث تسعى المملكة إلى الدّفع بمقترح الحكم الذّاتي كبديل عملي لمقاربات تقليديّة لم تُسفر عن نتائج.