الجودة “أولا” شعار يتخذ منه التعليم العالي الخاص سُلّماً يرتقي به على أنقاض منظومة تعليم عالي عمومي يكاد يكون شبه غائب عن ساحة الأقاليم الصحراوية. كما أن تحقيق الإندماج السريع داخل سوق الشُّغل، والسعي نحو سلك طريق بعيد عن المنافسة، يعد هاجس الأسر ودافعها الأساسي الذي تتكبد في سبيله تكاليف مادية طائلة، كل ذلك من أجل تأطير أبنائها في مؤسسات عليا خاصة يُنتظر أن تحمل في جعبتها ما تفتقده المؤسسات الأخرى من خدمات ومزايا.

الدولة من جانبها، تسعى من خلال خطة بنيوية مدروسة لتشجيع وتنويع العرض التعليمي بما يتلاءم وتوسيع نطاق ولوج الكفاءات لمقاعد دراسية مؤطرة و نوعية، سواء تعلق الأمر بالجامعات والمعاهد التي تتولى الدولة الإشراف المباشر عليها، أو تلك التي تمنحها ترخيصاً مشروطاً بجودة منتوجها التعليمي.

الأرقام تشير إلى توفُّر خارطة المملكة على ثلاث عشرة جامعة عمومية، لا يتجاوز نصيب الصحراء منها أكثر من بضع ملحقات جامعية، فضلاً عن مدرستين عاليتين للتكنولوجيا بكلٍّ من “كلميم” و “العيون” ومدرسة للتجارة ب”الداخلة” وكلها مؤسسات للاستقطاب المحدود، أمرٌ يعتبره المُقدمون على ارتياد مقاعد الجامعة، عرضاً غير متلائمٍ مع انتظاراتهم وتساؤلاتهم حول بنية تعليمية عليا، لجهات تُشكِّـل أزيد من نصف النطاق الترابي للمملكة.

 

“أخبار تايم” تنقلكم عبر محطات هذا التقرير، للوقوف على مختلف الأسئلة التي كان ينبغي على مؤسسات التعليم العالي الخصوصية بالصحراء، الإجابة عنها، بُعيد تجربة حديثة لم تبرح بعد سنواتها الأولى.

“سؤال العرض التكويني و ملاءمة انتظارات سوق الشغل:

تكوينات ملائمة لسوق الشغل، تتميز بدقّةِ المحاور وحداثة المسارات و المسالك الموضوعة، بناءً على تحليل مسبق للمؤهلات والاحتياجات المهنية التي تنفرد بها كل جهة على حدة. هذا ما يُفترض من خدمة تعليمية نوعية أن تُقدِّمه، في ظل تطلعاتٍ متزايدةٍ لنظامٍ تعليميٍّ أكثر جودة وتنوعا.

 

وهو السبب ذاته، الذي تم بموجبه خوصصة جزءٍ من هذا القطاع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بثلاث جهات، تتطلع الدولة إلى جعلها أقطاباً تنمويةً قائمةً بذاتها، تنبني على أسُسٍ وهياكلَ صلبة لا متمركزة.

فهل تنسجم التطلعات مع ما هو موجودٌ على أرض الواقع؟ سؤالٌ لا يحتمل التعقيد، بالقدر الذي ينبغي أن تتوافر فيه النسبة الكافية من التركيز والوضوح والشفافية، بالنظر لما يرتبط به من مؤشرات اقتصادية، وتنموية واجتماعية مصيرية.

ولفهم وضعية الجهات الجنوبية الثلاث، يشير المجلس الأعلى للحسابات في آخر تقاريريه، إلى إنتاج مايزيد عن مليونٍ و800 ألف طنٍّ من الفوسفاط خلال سنة 2014، شغَّلت مايزيد عن 2000 عامل، فضلا عن 319 وحدة صناعية من بينها 152 وحدة مختصَّة في الصناعات التحويلية -والحديث هنا عن جهة العيون الساقية الحمراء- .

41 ملياراً وستمائة مليون درهم؛ مرصودة في الفترة مابين 2016/2021 قصد تمكين الجهة من إقلاع تنموي يحتاج بلا شك؛ إلى بنية تكوينية تواكب تحدي توفير العنصر البشري المؤهل الذي في وسعه أن يدعم هذا الإقلاع.

 

وأمام المُتغيِّرات القانونية والتنظيمية والاجتماعية والتنموية، حث المجلس الأعلى للحسابات في ذات التقرير، إلى تفعيل آلية لجان التنسيق مع التعليم العالي و التكوين المهني، إلى جانب لجنة الشؤون المالية و الاقتصادية، ولجنة الارتقاء بجودة التربية والتكوين و الحكامة.

“سؤال إدماج الكفاءات المحلية و التأثير في المحيط :

في ظل تصاعد مستوى البطالة، الذي رسمت عنه أرقام المندوبية السّامية للتّخطيط سنة 2018 صورة قاتمة، بنسبةٍ تصل إلى 19 % بجهة العيون الساقية الحمراء وحدها، بدأ الإتجاه رسميا من قبل الفاعلين المحليين نحو سياسة عمومية تستهدف امتصاص الضغط الحاصل على مناصب العمل الحكومية، عبر فتح آفاق الإندماج في المقاولات الخاصّة كوسيلة أكثر انفتاحاً، والإستفادة من فرص الشغل التي توفرها المقاولات الوافدة، لاسيما إن منها تلك التي تخصّها الدولة بالدعم والمزايا التفضيلية.

وتستحوذ نسب العاطلين الحاملين للشواهد العليا، على شريحة مهمة من هذه ـ19 في المائة، بينهم طلبةٌ باحثونَ و آخرون دكاترةٌ عاطلونَ في تخصُّصاتٍ عدَّة، لم يُسعفهم الوضع أمام تخلي الجامعة العمومية عنهم، دون أن يتم إيجاد أيَّ حلٍّ بديلٍ يبعدهم عن كراسي المقاهي الرَّتيبة.

 

فهل لعِبت مؤسّسات التّعليم العالي الخّاصّة دورها في هذا الجانب ؟ .. سؤالٌ تَصعُب الإجابة عنه في ظل افتقاد بعض تلك المؤسسات للاستقلال الإداري والتدبيري، إذ أنّها ما زالت تستورد قوالبَ جاهزةً للعلامات التجارية التي تحملها من مناطق أخرى.

 

أصواتٌ أخرى -محتجّة- ترتفع، في ظل وضعية الإشتغال المُحبِطة، لدى معاهدٍ وجامعاتٍ خاصّة، تغيب معها في إطار العلاقة التّشغيليَّة، أبرزُ الحُقوق والمُكتسبات الضّامنة لوضعية كريمة، ويغيب معها استثمار الطاقات البشرية الموجودة في منطقة من المفترض أنها تشتغل فيها ومن أجلها هذه المؤسسات.

“سؤال البرنامج البيداغوجي و العلمي و استثمار الشراكات المحلية :

تأخُذ المجالس الجهوية المنتخبةُ بعين الاعتبار، وهي تُسطِّـرُ برامجها، تشجيع مؤسّسات التّعليم الخاصّة، على الإستقرارِ في مجالٍ ترابيٍّ فسيح، يفتقد لجامعة مكتملةِ الْأركان.

دائما ما تشكل “الجامعة” مطلب ضغطٍ مُـتجدّدٍ على التّنظيمات الجهويَّة المسؤولة، فهل تملك المؤسّسات العليا الخاصّة، من المؤهّلات البيداغوجية والعلمية ما يؤهّلها لدفع هذا الخصاص بُعيدَ تمتُّعها باعتراف الدّولة كشريكٍ قائم ؟

إنّ القانون الذي ينظر إلى هذه الهيئات بعين الإعتراف والترخيص، يَفترضُ تمتُّعها بـ”كادر” علمي وبرنامج بيداغوجي واضح المعالم، محدّد الأهداف ومهيكلِ البنية.

فما الفائدةُ، من أن تنضاف كتلة جديدة من الشواهد الجامعية لتُعـزِّزُ صفوفَ البطالة بموجة أخرى من العاطلين، دون أن يكون هناك إعمال حقيقي لمعادلة الأثر على نسبة البطالة بجهة تصل فيها أرقام هذت المعضلة إلى مستويات قياسية. كل هذا يرجعه الكثير من المراقبين إلى عدم الإنفتاح الكافي والمعقلن على كافة الفاعلين، سواءٌ أكانوا رسميِّين أو  باحثين اقتصاديِّين على اتصال بالميدان، في أفق تعميق الفهم السليم والصحيح للمحيط الخارجي.

إن الرِّهانَ المعقودَ على الجامعة، يتطلَّب منها أن تكونَ كَيانا فاعلاً وديناميًّا، يسْتبِقُ المُنعطفاتِ الحاسمةِ في مُستقبلِ التَّنميةِ بالدِّراسة والتخطيط، المبنيَّيْنِ على القيمة العلميَّة المُضافة، والتي تظلّ حجر الزاوية في منظومة التعليم العالي خاصة في الوقت الراهن.

أسئلةٌ إن استطاعت هذه المؤسساتُ أن تُجيب عنها، فستكون بذلك رافعة أساسية من روافع  الورشِ التنمويِّ المفتوحِ في الصحراء .