شهدت أشغال اليوم الأول من مُنتدى “كرانس مُنتانا” الدّولي اليوم السبت، و الذي يشهد مشاركة شخصيات و وفود بارزة لعددٌ من الدّول، العالمية و الإفريقيّة، إلقاء برقية ملكية خاصة، و جهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في أشغال النسخة الخامسة من المنتدى، الذي أضحى يحتل أهمية بالغة، عطفاً على التحولات الراهنة على الساحة الدولية، و بالخصوص ما يتعلّقُ بالقارّة الإفريقيّةِ، التي أصبحت وجهةً وقبلةً للمشهد العالمي.

جلالة الملك، إختار فتح النقاش في موضوع “بناء قارّة إفريقيّة قويّة وحديثة في خدمة شبابها”، من خلال البرقية التي تلاها رئيس جهة الدّاخلة وادي الذّهب؛ السيّد “الخطّاط ينجا”، مشيراً  إلى أنّ هذه النّسخة من مُنتدى “كرانس مونتانا” الدّولي، يجبُ أن تسترعي “باهتمام جميع الفاعلين، المُؤسّساتيّين والخواص، ليس فقط داخل القارة الإفريقية، بل أيضاً خارجها”.

وجاء في نصِّ البرقيّة الملكيّة، أيضاً كون منتدى “كرانس مونتانا”، الذي أصبح موعداً هامّاً، يرنو إلى “إعمال التّفكير، وللبحث عن حلول ملموسة ومُبتكرة، كفيلة بتحقيق التّنمية الإجتماعية والإقتصادية المُستدامة”، حيثُ عرف هذا الحدث، وما يزال، مشاركةً مُكثّفةً للدّول الإفريقيّة، وعددٍ من دُول العالم، نظراً للمكانة التي بات يعرفُها مُنتدى “الدّاخلة”، الذي يستقبلُ “شخصيّات مرموقة”، و “يستقطبُ مُشاركين من شتى المشارب، ومن مُختلفِ بقاع المعمور”.

ولم يفُت جلالة الملك أيضاً، أن يهنّأ رئيس مُنتدى “كرانس مونتانا”؛ السيّد “جون بول كارتيرون”، الذي أبان عن “قدرة عالية على الإقناع والتّقريب بين الرُّؤى، وذلك بفضلِ ما يتمتّعُ به من حيويّة وروح مُبادرة”.

وبشأن ما تعرفُهُ القارّة الإفريقيّة من مُستجدّات، تهُمُّ الجانب التّنموي ومجالات أخرى مُختلفة، فقد تطرّقت البرقيّةُ الملكيّة، إلى دور القارّة الإفريقيّة؛ كونُها “مركز المشهد العالمي”، حيثُ أشارت إلى أنّ “رفع تحدّيات إفريقيا، سيكون لهُ بالضّرورة أثرٌ على الرّهانات الجيوستراتيجية الدّوليّة والتّحوُّلات الجارية.”، إضافةً إلى أنّ هذه المُستجدّات، التي تستدعي إيلاء الإهتمام، أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، بالقارّة الإفريقيّة “فالقرن الحالي ينبغي أن يكون قرن إفريقيا بامتياز”، كما جاء في نصِّ البرقيّة الملكيّة المُوجّهة إلى المُشاركين.

وفي معرِضِ ما تضمّنتهُ البرقيّة الملكيّة، بمناسبة هذه الدّورة الخامسة لمنتدى “كرانس مونتانا” الدّولي، تمّت الإشادة بدور الشّباب الإفريقي، الذي حظي -من خلال ذات البرقيّة- باهتمام ملكي بالغ، خصوصاً وأنّهُ موضوع هذه الدّورة، التي تُعدُّ حاضنةً لتطلُّعات الشّباب الإفريقي، من خلال ملامسة البُعدِ الديمغرافي للقارّة الإفريقيّة، ارتباطاً بمختلفِ الميادين، والمؤشّرات الرّامية إلى خلق نموذج تنموي إفريقي حي، لا يخلُ من التّنمية الإجتماعية والإقتصادية الشّاملة، التي يجبُ أن تتأسّس على المواكبة والإهتمام البالغين للشّباب الإفريقي، حيثُ أنّ “شبابنا في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤوليـة، بل وإعطائه ما يستحق من قيمـة”.

صلةً بالسّياق ذاته، تطرّقت البرقيّة الملكيّة، إلى بُعد الظاهرة غير الشّرعية للهجرة، التي أصبحت مُشكلاً اجتماعيّاً مُستفحلاً “في ظروف محفوفة بالمخاطر”، كما أشادت بالطّاقات الإفريقيّة الشّابة، ودعت إلى تسخيرها في ما ينفعُ القارّة الإفريقيّة، بدل هجرتها إلى حيثُ تضيع معها التّنمية المحليّة للقارّة؛ “فهجرة بعض شبابنا نحو آفاق أخرى، في ظروف محفوفة بالمخاطـر، بحثاً عن غـد أفضل، لا ينبغي أن تصبح قدراً محتوماً، ولا عنواناً لإفريقيا فاشلـة.”، في حين أنّ “مصلحتنا المشتركـة، تقتضي العمل على تنزيل حلول وجيهة ومناسبـة، حتى يرى شبابنا مستقبله في إفريقيا، ومن أجل إفريقيـا.”.

ولم تفتأ البرقيّة الملكيّة، أن أماطت اللّثام عن مُختلف المُبادرات التي قامت بها المملكة المغربيّة، بالإشارة إلى أهميّة التّعاون الذي يوليه “المغرب” عبر التزامه بقضايا الوسط الإفريقي والإنتظارات والتّطلّعات المتوخّاة منه، انطلاقاً من انفتاحه على مُحيطهِ الإفريقي، كـ”تعاون جنوب_جنوب مثمـر، ليس نتاج ظرفية معيّنة، ولا مصالح ضيّقـة.” وفي إشارةٍ واضحة، إلى أنّ “المغرب” ومُنذُ اعتلاء جلالة الملك، “محمد السادس” لعرش أسلافه الميامين، من خلال حرص جلالته على توطيد العلاقات الأخويّة وترسيخ قيم التّضامن والتّعاون، جاء في نصِّ البرقيّة الملكيّة بأنّهُ، “منذ اعتلائنا عرش المملكة، ما فتأنا ندعو إلى تضامن فعال وأخوي، ومفيد بشكل متبادل، لأننا نعتبر قارتنا الإفريقية واجبَنـا ومسؤوليتَنـا، وفرصتَنـا.”.

ولإرساء هذا النّموذج التّنموي، المُتأسّس على روح المُبادرة والتّضامن واليد الممدودة في إطار التّعاون، كان لابُدّ من إعطاءِ مثالاٍ حيٍّ يُوضّحُ انفتاح المملكة على وسطها الإفريقي، والدّفع إلى إرساء أسُس السّلام والإستقرار؛ “فمنذ سنة 2000، قررنا إلغاء مجموع الدّيون التي قدّمها المغرب للبلـدان الأقل تقدماً في القـارة. كما اعتُمدت تسهيلات لفائدة صادرات هذه البلدان إلى المغـرب.” والتي كان من نتائجها “ارتفاع حجم الصادرات الإفريقية باتجاه السوق المغربيـة. فقد أبى المغرب، من خلال هذا الإجراء، إلاّ أن يُجسّد على أرض الواقع، التزامه بمسؤوليته وواجبـه، المتمثلين في انتهاج سياسة تعاون تعود بالنّفع على جميع الأطـراف.” وهو ما يعني بأنّ توجُّه المملكة المغربيّة و “من منطلق الوفاء بهذه المسؤولية، اختار المغرب نهج الانفتاح والتضامن، واليد الممدودة إلى كافة نظرائه الأفارقـة ؛ بموازاة اختيار تعزيز ودعم السلام والاستقرار والأمن في إفريقيـا”.

وفي الأخير، دعت البرقيّة الملكيّة، إلى تكثيف الجهود الحثيثة، من أجل تنمية إفريقيّة فعليّة، خصوصاً وأنّ العالم يعرفُ اليوم “اضطرابات غير مسبوقـة.”، لعلّ أنّ “من أبرز تجلياتها التحول الديمغرافي، والانتقال الإيكولوجي، والثورة الرقمية، وأنماط التنقـل.” لذا؛ “فعلينا التكيُّف مع هذا الواقع الجديد، والعمل على تطوير سياساتنا، لما فيه خير شعوبنا، ومن أجل مستقبل شبابنـا.”

قبل أن يعبر جلالة الملك محمد السادس، عن كل المتمنّيات  نحو مُنتدى “كرانس مونتانا” الدّولي “متطلعاً إلى أن تسهم التّوصيات التي سيتمخض عنها لقائكم، في بلورة أشكال جديدة من التعاون، وأنماط خلاقة من التضامن والتكامل، تساهم في توجيه القيادات السياسية، وأصحاب القرار الاقتصادي، لما فيه مصلحة إفريقيـا.”

إلى ذلك تقدم “أخبار تايم” تغطية خاصة للحدث البارز، من مدينة الداخلة عبر مبعوثها إلى هناك، الزميل “جابر سيدي”، حيث تواكب الفعاليات بتقارير يومية.