في خطوةٍ دبلوماسيّة لافتة، يستعد الرّئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للمشاركة، يوم غد الثلاثاء، في قمّة مصغّرة بالعاصمة الأمريكيّة واشنطن، إلى جانب الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب وقادة عدد من دول غرب ووسط إفريقيا، من بينها السنغال والغابون وغينيا بيساو وليبيريا.
وتأتي هذه القمّة في توقيت حسّاس بالنّسبة إلى نواكشوط، التي تُعدّ الدّولة العربيّة الوحيدة الحاضرة في هذا اللّقاء، ما يسلّط الضّوء على موقعها المتقدّم في خارطة التّوازنات الجديدة التي ترسمها واشنطن في منطقة السّاحل والصّحراء.
تقاطعات مغربيّة – أمريكيّة تضع الحياد الموريتاني على المحك
ورغم أنّ موريتانيا دأبت لعقود على التّمسّك بموقف “الحياد المتوازن” في ملف الصّحراء، متجنّبةً الاصطفاف العلني إلى جانب أيٍّ من طرفيْ النّزاع (المغرب والجزائر)، فإنّ مشاركتها في هذا الموعد الدّبلوماسي رفيع المستوى تفتح الباب أمام قراءة جديدة لهذا الموقف، خاصّةً في ظل ما تشهده العلاقات الموريتانيّة – المغربيّة من تقارب لافت، يتزامن مع تجدّد التّوافق الأمريكي حول دعم مقترح الحكم الذّاتي الذي يطرحه المغرب.
موريتانيا بين الحضور الدّبلوماسي والضّغوط الجيوسياسيّة
وتكتسب القمّة أهميّة إضافيّة بالنّظر إلى توقيتها، إذ تسبق القمّة الأمريكيّة – الإفريقيّة الموسّعة بأقل من شهريْن، ما يرشّحها لتكون محطّة مفصليّة في رسم أولويّات واشنطن بالقارّة، خصوصاً في منطقة السّاحل الإفريقي التي أصبحت ميدانا مفتوحا لتنافس قوى دوليّة كبرى.
وفي هذا السّياق، يُنتظر أن تتحوّل نواكشوط إلى قناة دبلوماسيّة غير مباشرة بين الرباط والإدارة الأمريكيّة، بالنّظر إلى مكانتها الرّمزيّة وارتباطها الدّبلوماسي، منذ 1984، بما يُسمّى “الجمهوريّة الصّحراويّة”، وهي علاقة تعود إلى مرحلة ما بعد الحرب مع جبهة البوليساريو، لكنّها باتت اليوم، بحسب مراقبين، متجاوزة من حيث السّياق الإقليمي والدّولي.
هل يُعِد الغزواني لموقف جديد؟
وكان الرّئيس الغزواني قد صرّح في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسيّة، في شتنبر 2023، بأنّ بلاده تلتزم “الحياد” في قضيّة الصّحراء، معتبراً أنّه منذ تولّيه الرّئاسة سنة 2019، قرّر جعل هذا الحياد “إيجابيًّا”، من دون أن يُفصح عن تفاصيل إضافيّة، ما يترك المجال مفتوحاً أمام تأويلات بشأن إمكانية تطوّر موقف نواكشوط في ضوء التّحوّلات الجارية.
موقف أمريكي داعم للمغرب.. والرباط تكسب مزيداً من الاعترافات
يُذكر أنّ الرّئيس ترامب، في نهاية ولايته الأولى سنة 2020، أصدر مرسوماً يعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبيّة، وهو موقف احتفظت به إدارة بايدن، وأكّدته إدارة ترامب الثّانية في وقتٍ لاحق، ممّا يعزّز موقع المغرب في أي تسويات مستقبليّة للملف.
في هذا السّياق، تتّجه الأنظار إلى العاصمة الأمريكيّة، حيث قد تشكّل قمّة واشنطن منعرجاً جديداً في تعاطي موريتانيا مع قضيّة الصّحراء، خصوصاً إذا ما قرّرت الخروج من منطق “الحياد” والدّخول في دينامية الدّعم الإقليمي المتنامي للمقترح المغربي.