في مشهدٍ أعاد إلى الواجهة أحد أعمق جراح الواقع الاجتماعي بالمغرب، نجح أكثر من خمسين شابًّا ومراهقًا في اختراق الحدود البحريّة لمدينة سبتة المحتلّة، سباحةً عبر أمواج متلاطمة، في مغامرة محفوفة بالموت لا تعكس فقط رغبة جامحة في الهجرة، بل تُجسِّد انهيار الأمل في الدّاخل.

العمليّة التي جرت يوم السبت، وسط ظروف جويّة سيّئة، جاءت لتُفاقم حرج حكومة عزيز أخنوش، التي تواجه انتقادات متصاعدة بشأن الهوّة المتّسعة بين تعهّداتها على الورق، وواقع يطرد أبناءه نحو المجهول، حتّى وإن كان ذلك سباحة.

وإذا كان هذا الاقتحام الجديد يُذكّر بمحاولات مشابهة خلال السّنوات الماضية، فإنّ توقيته اليوم، قبل عام واحد من انتخابات تشريعيّة مفصليّة، يجعل منه إنذارًا سياسيًّا للحزب القائد للائتلاف الحكومي، والذي علّق كثيرًا من رهاناته على “الدّولة الاجتماعيّة” و”حكومة المونديال”.

عدسات إعلام دولي، من بينها وكالة “رويترز”، رصدت اللّحظة بدقّة، ناقلةً للعالم صورًا لشباب مغاربة يقاومون التيّارات البحريّة، بينما تتلاشى خلفهم شعارات التّنمية والعدالة الاجتماعيّة.

المشهد لم يكن معزولًا. قبل أيّام فقط، خرجت مسيرة احتجاجيّة في قرية “آيت بوكماز” الجبليّة، عبّرت عن الغضب المتراكم من التّهميش، في تعبير واضح عن سقوط آخر أوراق الثّقة في السّياسات الحكوميّة، كما علّقت فاطمة التامني، النّائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، التي اعتبرت ما يقع “صرخة ضد الإقصاء الهيكلي” وضد ما وصفته بـ”تماطل الحكومة في معالجة قضايا حيويّة”.

وتتقاطع هذه الأحداث، بحسب متتبّعين، عند نقطة مركزيّة واحدة: أزمة بنيويّة في السّياسات العموميّة، دفعت فئات واسعة من الشّباب المغربي إلى اعتبار مغامرة الهجرة غير النّظاميّة خيارًا أقلّ بؤسًا من واقع البطالة والتّهميش.

ورغم تأكيد الحكومة على أنّ مشاريعها الكبرى ستؤتي أكلها مستقبلاً، تردّ المعارضة بأنّ المغاربة لا يعيشون على الوعود طويلة الأمد، بل يبحثون عن تغيير ملموس يضمن الحد الأدنى من الكرامة، لا شعارات برّاقة ترتطم كل يوم بواقع قاسٍ.

ومع اقتراب لحظة الحسم الانتخابي في صيف 2026، تبدو حكومة أخنوش أمام تحدٍّ أكثر صعوبة من التّرويج لصورة المغرب كبلد صاعد، وهو ما يتمثّل في استعادة ثقة مواطنيه أوّلاً.