أثار إعلان ما تُعرف بـ”الحركة من أجل تقرير مصير القبائل” عن قيام كيان قبائلي مستقل، يوم الأحد، جدلًا سياسيًّا واسعًا داخل الجزائر، وفتح باب المقارنة بين مواقف الدّولة وعدد من الهيئات الحزبيّة والمؤسّساتية، التي سارعت إلى رفض الخطوة باعتبارها نزعة انفصالية، في مقابل تبنّيها أطروحة “تقرير المصير” نفسها عندما يتعلّق الأمر بملف الصّحراء المغربية.

ووجدت حركة مجتمع السّلم، ذات المرجعيّة الإسلامية، نفسها في قلب هذا الجدل، بعدما صدر الإعلان من باريس عن تأسيس ما سُمّي بـ”الجمهورية الفدرالية للقبائل”. فرغم الطّابع الرّمزي للخطوة، إلاّ أنّ توقيتها سلّط الضّوء على ازدواجية المعايير في التّعاطي مع قضايا تنطلق من المرجعيّة المفاهيميّة ذاتها.

الحركة، المعروفة اختصارًا بـ”حمس”، والتي توصف داخل المشهد السّياسي الجزائري بأنّها تيّار إسلامي معتدل بحكم مشاركتها المستمرّة في الاستحقاقات الانتخابية وتذبذب تموقعها بين المعارضة والأغلبيّة، سارعت إلى إصدار بيان يهاجم مبادرة حركة “الماك”، واصفةً إيّاها بأنّها “انفصالية” ولا تمت للإرادة الشّعبيّة بصلة، وذلك بعد أسابيع فقط من تواصل سياسي جمع قياديين منها بممثّل جبهة “البوليساريو” في الجزائر.

وكانت الجبهة الانفصالية قد أعلنت، في 2 دجنبر الجاري، أنّ من تصفه بسفيرها لدى الجزائر استقبل رئيس المجموعة البرلمانية لحركة مجتمع السّلم ومسؤول العلاقات الخارجية بالحركة، في لقاء تناول، بحسب بيانها، سبل تعزيز التّعاون وتنظيم أنشطة مشتركة للتّعريف بما تعتبره “قضيّة الشّعب الصّحراوي”.

وقبل ذلك، وخلال النّقاش الدّولي الذي سبق صدور قرار مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، الدّاعي إلى استئناف المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذّاتي المغربي، عبّر رئيس الحركة عبد العالي حساني الشريف، وهو مرشّح سابق للرّئاسة، عن رفضه للمساعي الأمريكية، واعتبرها محاولة لفرض تسوية “تتجاوز مبدأ تقرير المصير”.

غير أنّ إعلان رئيس حركة “الماك”، فرحات مهني، عن قيام éدولة قبائلية” في المنفى، دفع حركة مجتمع السّلم، التي تحتل المرتبة الثّانية داخل البرلمان الجزائري وتقود صفوف المعارضة بـ65 مقعدًا، إلى اتّخاذ موقف حاد، واصفةً الخطوة بأنّها محاولة معزولة تخدم أجندات خارجيّة وتسعى إلى المساس بوحدة الدّولة الجزائرية.

وأكّدت الحركة، عبر مكتبها في تيزي وزو، أكبر مدن منطقة القبائل، رفضها القاطع لِما أسمته “الكيان المزعوم”، معتبرةً أنّه لا يعكس تطلّعات سكّان المنطقة ولا يمثّل سوى أدوات مرتبطة بأطراف أجنبية.

ويبرز هذا الموقف التّناقض الواضح في خطاب الحركة، التي تستند إلى مبدأ “تقرير المصير” في قضايا خارجية، بينما ترفضه بشكل مطلق حين يُطرح داخل الحدود الجزائرية، ما يعمّق الجدل حول ثبات المعايير السّياسية وحدود توظيف المفاهيم في الخطاب الحزبي.