تستمر موجة الاحتجاجات الشعبية في الجزائر، رغم تقديم الرئيس الأسبق “عبد العزيز بوتفليقة” استقالته بشكل رسمي أمسٍ الثلاثاء، واضعاً حداً لاستمرار أربع ولايات متتالية على رأس الجمهورية، كادت تمتد لخامسة ألغية على مضض.

 

أشهرٌ طويلة من التكهنات كما الإنتظارات الشعبية، تأجج صداها مع إعلان قرار الترشح لعهدة خامسة بتاريخ  العاشر من فبراير الماضي، أخرجه من يتحدثون باسم “الرئيس”، غير آبهين لوضعه الصحي الحرج، يتفاقم بعد جلطة دماغية، أقعدته منذ العام 2013.

 

الإعلان جاء إذن ليفتح التساؤلات حول سقف المطالب الشعبية، التي انتقلت من المطالبة برأس النظام، إلى رفض وجوده من الأساس، “أخبارتايم” استطلعت آراء رواد واحدة من أكثر منصات التواصل الاجتماعي رواجاً، الحديث هنا عن تطبيق “أنستقرام”، حيث أزيد من عشرة آلاف متابع، وضعوا أمام التساؤل: هل تحدث استقالة “بوتفليقة” تغيراً حقيقياً في الجزائر؟

 

الآراء تباينت بين من يرى في “بوتفليقة” ضلعاً واحداً من ثالوث السلطة، لن يحدث تغيير حقيقي بدون استبدال بقيته، و من يعتبر الاستقالة نقطة تحققت على جدول مطالب الشارع الذي خرج بالأساس رافضاً للترشح، أزيد من 60% من الأصوات، صبت  في إتجاه كون تحقق تغيير برحيل “بوتفيلقة” أمراً صعب التحقق ، فيما صوت 40% آخرون لصالح كون الإجراء، نقطة بداية لتحقيق التغيير المنشود.

 

في هذا السياق، يرى الإعلامي السوداني “طلحة جبريل”، أن “الجزائر” بالنسبة لأي مُراقب موضُوعي، تعيش في “غرفة الانتظار”، مذ أصبح “بوتفليقة” عاجزاً عن أداء أي دورٍ داخلها، حيث باتت البلاد تحكم من لدن “مجموعة” تتحدث باسم الرئيس المُستقيل، ميزها خلال الحراك الشعبي طابع التنازل التدريجي، مستفيدةً من تجارب التصادم السابقة مع الشارع، عدم اللجوء لاستعمال العنف ضد المتظاهرين، ثم التراجع عن نية الترشيح، وصولاً إلى إعلان ” “بوتفليقة” استقالته، كلها حلقات مترابطة لمسلسل واحد.

 

أما عن مستقبل “التغيير” في “الجزائر” بعد الاستقالة الأخيرة، فلم يخفي “جبريل” تشاؤمه بخصوص كون البلاد تعرف مفترق طرق، سيصعب من حظوظ تحقيقه تحولاً حقيقياً، صراعات أطراف القوى، بينما يظل الشعب معبأ وينتظر تغير رموز الفساد، اللذين لا يمثلهم “بوتفليقة” لوحده.

 

ومن جانبه، يرى الباحث في حقل العلوم السياسية السياسية “محمد عالي غالي”، على أن “بوتفليقة” لم يعد هو الرقم الأول في المعادلة السياسية بـ“الجزائر”، بل أصبح رئيس الأركان الجزائري “محمد قايد صالح” الرقم واحد، بحكم إمساكه الآن بخيوط اللعبة السياسية، خاصةً  وأن تدخلاته ساهمت إلى حد بعيد في الرفع من إيقاع الاحتجاجات المتسارعة التي تشهدها الجزائر إلى حدود اللحظة.

 

ذات المتحدث قارن تجربة الجزائر الحالية، بالتجربة المصرية في نسختها الأولى مع الرئيس الأسبق “حسني مبارك”، لكونهما تقفان معاً على ثلاث أطرافٍ، تجد تجلياتها في تجذر “العسكر” في الحالتين، فيما الفيصل بالنسبة للجزائر هو مدى استطاعت المؤسسة العسكرية بالجزائر الوقوف على مسافة مع الصراع على السلطة، فضلاً عن محاولة تدبير شؤون البلاد إلى حين عودة المؤسسات بإجراء إنتخابات نزيهة، ستفرز بلا شك عن جمهورية جديدة.

 

إشكالية الحراك بحسب ذات المتحدث، تكمن في غياب نخبة تتحدث باسم المحتجين، مما يصعب الوصول إلى توافقات مع الشارع، وهي ذاتها النقطة التي يمكن أن تشكل خياراً إيجابياً عندما يتعلق الأمر بصعوبة احتواء طليعته.

 

فالنظم السياسية بحسب “الغالي” دائماً لا تتوجه بالتفاوض إلى مخاطبٍ محدد، بل يبقى الفيصل هو “الشارع”، الذي يبدو غير مستعجلٍ للنتائج، فمن رفض العهدة الخامسة تطورت مواقفه تدريجياً نحو رفض “بوتفليقة” ثم النظام السياسي ككل، وبالتالي لا يمكن هنا بناء توقعات بخصوص رد فعل الحراك الشعبي “رجماً بالغيب”.

 

إعداد و صياغة : جابر سيدي – عبد الفتاح الراجي