عادت نذر التّوتّر إلى الواجهة في العلاقات المجتمعيّة داخل إسبانيا، بعد تسجيل اعتداءات عنيفة استهدفت مهاجرين مغاربة في بلدة توري باتشيكو التّابعة لإقليم مورسيا، وسط تساؤلات متزايدة عن خلفيّاتها الحقيقيّة، في ظل تصاعد نبرة التّحريض السّياسي والإعلامي تجاه المغرب ومواطنيه.

فبينما رُبطت الاعتداءات بوقائع إجراميّة محليّة، يرى متابعون أنّ الأمر يتجاوز حدود الجريمة الفرديّة، إلى كونه نتاجًا لتراكم خطابات تُغذّي صورة نمطيّة سلبيّة عن المغاربة، وتُقدّمهم كـ”تهديد دائم” في أعين فئات واسعة من الرّأي العام الإسباني، لا سيما بعد أزمة سبتة سنة 2021.

تصوّر المغرب كـ”خطر خارجي” .. أرقام صادمة واستنتاجات مقلقة

استطلاع حديث أنجزه المعهد الملكي الإسباني “إلكانو” كشف أنّ 55% من الإسبان يعتبرون المغرب التّهديد الأكبر لبلادهم، متفوّقًا على روسيا والولايات المتّحدة. هذا الرّقم، وإن بدا مفاجئًا، يندرج ضمن مسار تصاعدي لتأطير صورة المغرب كخصم جيوسياسي، رغم تحسّن العلاقات الرّسميّة بين البلديْن.

ما يُثير القلق هو أنّ هذه التّصوّرات لا تأتي من فراغ، بل تُغذّيها خطابات قوى سياسيّة، واستغلال إعلامي موجّه، إلى جانب مواقف رمزيّة، كاستضافة ممثل جبهة البوليساريو من طرف الحزب الشّعبي الإسباني، ما يُفسّر كيف تحوّل اسم المغرب إلى عنصر استقطاب سياسي وانتخابي داخلي.

الشّحن الإعلامي والسّياسي .. السّياق المُنتِج للكراهية

ورغم تأكيد مسؤولين عسكريّين إسبان غياب أي تهديد واقعي من طرف المغرب بشأن سبتة ومليلية، إلّا أنّ ترويج “الخطر المغربي” مستمر في منتديات الدّفاع والسّياسة، وهو ما يُكرّس الانطباع بأنّ المملكة تمثّل تهديدًا خفيًا للوحدة التّرابية لإسبانيا، حتّى في غياب مؤشّرات على ذلك.

هذا الخطاب المُمنهج انعكس مباشرةً على تصوّر الشّارع الإسباني للمهاجر المغربي، حيث صار يُقدَّم كمصدر محتمل للإجرام والاضطراب، خاصّةً من طرف أحزاب مثل “فوكس“، التي تربط أي حادث فردي بالهويّة المغربيّة، مُسقطةً بذلك الاتّهام على جالية بأكملها.

وهو ما يجعل من أحداث العنف في توري باتشيكو أكثر من مجرّد وقائع إجراميّة معزولة، بل تجلٍّ لعنف رمزي وسياسي مُمأسس، يجد صداه في الإعلام، ويُشرعن نوعًا من التّوجّس المجتمعي الذي قد يتحوّل إلى اعتداءات فعليّة.

أزمة إدراك لا أزمة علاقات

في وقتٍ تصف فيه الحكومة الإسبانيّة علاقتها مع الرباط بـ”الاستراتيجيّة”، تُواصل بعض المؤسّسات السّياسيّة والإعلاميّة الاستثمار في خطابات العداء، ممّا يعمّق الهوّة بين واقع التّعاون الثّنائي، وتمثّلات العداء المتزايدة لدى جزء من الرّأي العام الإسباني.

وما لم يتم تحصين العلاقات الثّنائيّة بخطاب رسمي وإعلامي عاقل ومتوازن، فإنّ هذا الانفصام بين الصّورة والمؤسّسات سيُنتج مزيدًا من التّوتّر داخل المجتمع الإسباني، ويُهدّد التّعايش السلمي، ويضرب في العمق الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب وتنظيم الهجرة وتعزيز التّعاون الاقتصادي.